المملكة المتحدة تعتبر اليوم مركز الإخوان المسلمين في العالم. فعلى مر العقود ومنذ 1950 هاجر إليها قادة الإخوان من مصر وليبيا وتونس وسوريا والجزائر والعراق. الجيل الثاني من الإخوان جاء مسلحا باللغة الإنكليزية والتعليم والثقافة الغربية موظفا كل ذلك في خدمة الرسالة الإخوانية المخيفة.العرب أسعد البصري [نُشر في 2017/03/26، العدد: 10583، ص(6)] عام 2011 ذهبت للصلاة في مسجد يقع في أغلى منطقة بمدينة تورونتو قرب جامعة رايرسون. الشيخ قال لي إنه يطرد المتبرعين ويقول لهم لا نحتاج إلى مال “تبرّعوا لمسجد آخر”. يقول البارحة اتصل به تاجر خليجي ليتبرع بمبلغ كبير والشيخ الصومالي يدّعي بأن المال كثير وأكثر من قدرته على إدارته. ورغم أن المسجد “سلفي” في الظاهر لكن مكتبته مليئة بمؤلفات سيد قطب وحسن البنّا والإخوان عموما. صلاة العشاء كانت جماعة والشيخ الشاب تقدم الصفوف وقرأ وصلى ثم أخذ بالدعاء لـ إخواننا” في ليبيا و”إخواننا” في مصر و”إخواننا” في تونس. المسجد حركة سياسية وليس مجرد صلاة روحية. ثم أين هي الحدود الفاصلة بين الإسلام السياسي الإخواني والسلفي والقاعدة وداعش؟ المسلم يدخل المسجد بصفته مسلما وكل شيء يحدث داخل المسجد بإشراف من الإخوان. تناولت كتابا لسيد قطب فقال لي الشيخ أرجوك دعك من هذا الكتاب الآن، أولا دعني أتعرف عليك وأعطيك كتبا في العقائد والمبادئ. وحين سألني على أيّ مذهب أنت؟ قلت الإمام مالك ففتح مكتبه وأعطاني فقه الإمام مالك. قال الشيخ أولا المبادئ ثم بعد ذلك تقرأ سيد قطب. إذن لا توجد حدود عندهم بين الإخواني والسلفي وغيرها؟ إنه إسلام سياسي مرن يستقطب الناس في الغرب بسحر غريب هو سحر “الأخوة” فأنت مغترب بعيد عن أهلك ومهاجر. المسجد يقدم لك “المؤاخاة” ماذا تريد؟ أصدقاء أم إكمال دراستك أم تريد فتح ورشة ميكانيك أم تريد الزواج أم لعلك خائف أن تمرض فلا يزورك أحد أو تجوع فلا يعينك أحد؟ المسجد يقدم لك علاجا للاغتراب ولكنه واجهة لمنظمة إخوانية عملاقة في النهاية تصنّفك وتتعرف عليك وتتدرج في المقام كالماسونية ويتم توظيفك للدعوة والجهاد في سبيل الله. يأتي هجوم لندن الأربعاء الماضي فيما لا تزال أوروبا في حالة إنذار كبرى بعد سلسلة هجمات جهادية بينها اعتداءات بروكسل 22 مارس 2016. وقالت الشرطة البريطانية إن اسم المهاجم خالد مسعود (52 عاما) ولد في إنكلترا. رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي قالت الخميس الماضي إن الإرهاب لن يسود وحثت البريطانيين على مواصلة حياتهم اليومية والتمسك بقيم البلاد. كيف لرجل كهل نَيَّف على الخمسين من عمره أن يقتل بلا رحمة ثلاثة أشخاص دهسا وطعنا ويجرح 12 إنسانا آخرين لا يعرفهم ولا ذنب لهم؟ من أين تأتي هذه الأفكار؟ وكيف في عاصمة العقل الكونية وفي رمز الحرية البريطانية (مجلس العموم) يحدث هكذا شيء؟ ولماذا يقوم مسلم بالذات بهذا النوع من الجنون دائما؟ أين هو الخلل؟ من أين يتدفق هذا الخطر الإرهابي على أوروبا؟ أعتقد بأن الغرب حفر قبره بمعوله حين قرر دعم الإخوان المسلمين ضد الحكومات العربية. الضربة الأولى التي تعرض لها تنظيم الإخوان المسلمين كانت على يد الزعيم التنويري جمال عبدالناصر بين عامي 1950 و1954 وقد هاجرت مجموعات خطيرة منهم إلى كل من السعودية وقطر، بينما هاجر الشباب الأقل شأنا حينها إلى الولايات المتحدة وأوروبا خصوصا بريطانيا وألمانيا الغربية. مع الزمن انتشرت هذه المجموعات في أوروبا مستفيدة من مناخ الحريات والرفاه لنشر شبكة من المؤسسات الدينية والجمعيات الثقافية، وتم اعتماد عناصرها كمتحدثين باسم المسلمين المهاجرين هناك. معظم تلك المؤسسات تنفي ارتباطها العلني بالتنظيم السري للإخوان المسلمين خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. يمتلك تنظيم الإخوان قواعد ومؤسسات في 80 بلدا حول العالم، حيث استثمروا تلك العقود من الهجرات في بناء البنية التحتية لمشروعهم مستفيدين من تدفق المال إليهم من الخليج أولا، ومصادر أخرى حتى صاروا يملكون مصارف مالية خاصة ومعاهد تعليمية ومدارس أهلية ومساجد ومؤسسات خيرية ومراكز بحوث وشركات استثمارية. جميع المراكز الإسلامية في بريطانيا وفرنسا وألمانيا هي اليوم مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بتنظيم الإخوان المسلمين. بين نهاية الثمانينات من القرن الماضي وحتى عام 2000 كانت هناك عدة مظلات للتنظيم الإخواني في أوروبا، تعود جميعها إلى داعم قوي متمركز في قطر هو الشيخ يوسف القرضاوي الذي كان دوره في هذا الشأن أكبر بكثير من سيد رمضان وابنه طارق أو الداعم المالي الإخواني الشهير يوسف ندى. الشيخ القرضاوي أقنع أساطين المال حينها بضرورة بناء إمبراطورية إخوانية في إطار قانوني داخل أوروبا، وتم الاتفاق على جعل هذه المنظمة الفيدرالية الإسلامية لها قاعدة مركزية واحدة في بريطانيا، لقد بلغت تلك المنظمات السرطانية من القوة إلى درجة أنها صارت تكلّف محامين مسلمين وأوروبيين بمناقشة قانون خاص للعائلة المسلمة وتقترح قوانين خاصة في قلب أوروبا. عام 1997 أسس القرضاوي مركزا للفتوى وتعليم الشريعة الإسلامية في أوروبا، وفي عام 2004 أسس الشيخ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في بريطانيا حيث استفاد من دعوة وجهها له عمدة لندن المناهض لإسرائيل كين ليفنغستون. وهو ذات الرجل المشاكس الذي تم تعليق عضويته في حزب العمال البريطاني العام الماضي نتيجة تصريح له يقول إن “هتلر كان مؤيدا للصهيونية”. القرضاوي استثمر العداء بين العمدة البريطاني وإسرائيل لصالحه طبعا وأسس قاعدة متشددة ضخمة للإخوان المسلمين. إن استثمار إسرائيل لقضايا إرهابية برعت فيه ولاية الفقيه الإيرانية كما برع فيه تنظيم الإخوان المسلمين. إن مكر المتطرفين يبلغ درجة أنهم يحاولون أحيانا استغلال بعضهم بعضا، كما يحاول الإخوان مؤخرا استثمار قلق السعودية من إيران لتقديم خدماتهم كحماة للسنة والجماعة. استطاع الإخوان خداع اليسار الأوروبي باسم التعاطف مع الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة لدعم حركة حماس، إلى درجة أن القرضاوي لم يتردد بإصدار فتوى تبيح العمليات الانتحارية ضد الإسرائيليين المدنيين، والشيخ القرضاوي معروف بفتاواه الدموية مثل دعوته لذبح الرئيس معمر القذافي قائلا “اقتلوه ودمه في رقبتي”. الحكومات العربية قالت ببساطة إنها لا تدافع عن إسرائيل ولكنها قلقة جدا من رجل دين معروف يصدر فتاوى بشرعية العمليات الانتحارية وذبح رؤساء عرب. إن لعبا بالنار كهذا يُقلق القادة العرب كثيرا لأنه من الممكن أن يرتد على المجتمعات العربية نفسها وهذا ما حدث في النهاية. منذ عام 2006 أصبحت تركيا هي الأخرى مصدرا كبيرا لنشاط الإخوان المسلمين وقاعدة دعمهم المالي، ففي إسطنبول تنعقد مؤتمرات الاتحاد الإسلامي وغالبا ما يسميها القرضاوي بالمؤتمرات التي تناقش مستقبل المسلمين في أوروبا. لقد نجح الإخوان بالدخول في تناقضات السياسة الأوروبية الداخلية وفهموا لعبتهم القانونية ولغتهم وصار الإخوان يعتبرون أنفسهم الممثل الشرعي للمهاجرين والمسلمين في أوروبا. وكما وقعت السعودية في خطأ اعتبار الإخوان نسخة أكثر حداثة ومرونة من السلفيين، فإن الأوروبيين وقعوا في خطأ أكبر وهو اعتبار الإخوان نسخة معتدلة للإسلام يمكنهم استخدامها في اتجاهين؛ الأول محاربة المتطرفين والثاني تهديد الحكومات العربية وابتزازها. لقد مر ماء كثير تحت الجسر حتى عرف الجميع بأن الإخوان هم البيئة الحاضنة التي تفرّخ الإرهاب بجميع أنواعه وتجعله ممكنا. عام 2010 انعقد في إسطنبول أحد أشهر المؤتمرات لعلماء المسلمين حيث حضره 200 شيخ وكان 90 من هؤلاء المشايخ قد وقعوا على ميثاق “الجهاد” ودعوا إلى مدّ حركة حماس بالسلاح والمال وإعلان “الجهاد الإسلامي” حول العالم. كثير من مشايخ الجهاد الموقعين حينها كانوا ناشطين إسلاميين في أوروبا. من المؤسف أن يمتطي تنظيم الإخوان المسلمين القضية الفلسطينية لتحقيق أهدافه السياسية والمالية العالمية. لقد رأينا كيف انقلب الشيخ المصري وجدي غنيم “الإخواني” فجأة إلى متطرف أكثر من داعش مدعيا بأنه قد خرج من تنظيم الإخوان، وهذا تنسيق رفيع بينهم وتبادل أدوار. كذلك رأينا مؤخرا تدخل الشيخ القرضاوي في الأزمة السياسية بين هولندا وتركيا داعيا المسلمين إلى الوقوف خلف أردوغان واصفا إياه بـ”أمير المؤمنين”. المملكة المتحدة تعتبر اليوم مركز الإخوان المسلمين في العالم. فعلى مر العقود ومنذ 1950 هاجر إليها قادة الإخوان من مصر وليبيا وتونس وسوريا والجزائر والعراق. الجيل الثاني من الإخوان جاء مسلحا باللغة الإنكليزية والتعليم والثقافة الغربية موظفا كل ذلك في خدمة الرسالة الإخوانية المخيفة التي تشبه الحركة الماسونية في بنيتها، مع الفارق أن الماسونية حركة مدنية بينما الإخوان حركة دينية تطمح إلى شيء واحد هو “الخلافة”. تعاون الناشطون الإخوان في المملكة المتحدة لسنوات طويلة مع المتطرفين في باكستان وخصوصا أتباع أبو الأعلى المودودي. وبريطانيا سمحت بأن يتخذ الإخوان منها مركزا إعلاميا وثقافيا لنشر أفكارهم ودعوتهم وحوّلوا المسلمين والمهاجرين في أوروبا إلى رهائن لأنهم يتحدثون باسمهم ويقرّرون مصيرهم. ومنذ عام 2006 ازداد نشاط الإخوان الإعلامي في المملكة المتحدة ولاحظنا بأن بريطانيا ليست مركزا للاستثمار والمال الإخواني العالمي فقط بل هي أيضا مركز المليارات والاستثمارات القطرية والتركية. الأمر الذي يجعلك تفكر جيدا كيف يمكن لمنظمة كهذه أن تزول أو تتوقف عن إنتاج الثقافة الشاذة والإسلام السياسي والتحريض. رجل كهل مولود في بريطانيا عمره 52 عاما أين تعلم الإسلام؟ وكيف أصبح قاتلا وحاقدا على مواطنيه وبلاده وحكومته؟ من الذي حدثه عن الكفّار والأمة الإسلامية والخلافة والجهاد؟ من الذي خلق البيئة المناسبة لهذا الرجل المسلم البريطاني ليكون بهذا الشكل؟ لو فكرت جيدا ستجد بأن الإخوان المسلمين هم المسؤولون المباشرون عن هذه الجرائم. أردوغان يحرّض المسلمين في أوروبا أكثر من داعش ويصفهم بأعداء الإسلام والصليبيين والنازيين. والى أن تفيق أوروبا وتضع حركة الإخوان المسلمين في قائمة الإرهاب الدولي فإن النار ستنتشر وتحرق كثيرين. كاتب عراقيأسعد البصري
مشاركة :