تمر اليوم ذكرى وفاة الفيلسوف المصري عبدالرحمن بدوي المولود في 4 فبراير 1917 والمتوفي في25 يوليو لعام 2002، ويعد بدوي أحد أبرز أساتذة الفلسفة العرب في القرن العشرين وأغزرهم إنتاجا، إذ شملت أعماله أكثر من 150 كتابا تتوزع ما بين تحقيق وترجمة وتأليف، ويعتبره بعض المهتمين بالفلسفة من العرب أول فيلسوف وجودي مصري، وذلك لشده تأثره ببعض الوجوديين الأوروبيين وعلى رأسهم الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر.وكان عبد الرحمن بدوي عضوا في حزب مصر الفتاة (1938-1940) ثم عضوا في اللجنة العليا للحزب الوطني الجديد (1944-1952)، وتم اختياره مع 50 شخصية، عضوًا في لجنة الدستور التي كلفت في يناير 1953 لكتابة دستور جديد، والذي تم الانتهاء منه في أغسطس 1954 والذي استبدل بدستور سنة 1956.نشر عبد الرحمن بدوي في نهاية حياته مذكراته والتي كشف فيهما مشاهير أدباء الستينيات ومثقفيها، وهاجم خلالها أدباء ومثقفين مثل عباس محمود العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم وزكي نجيب محمود وأحمد أمين وأمين العالم وثروت عكاشة و(انتكاسات) أساتذة الجامعات، ورصد تفاصيل مهمة للواقع الناصري، والمفارقة هنا أنه هاجم في مذكراته تلك التي نشرها في نهاية حياته أستاذه طه حسين، ورغم إنه أثنى عليه أيضا إلا أنه وصفه بأنه من جماعة "من يدفع للزمار"، وهاجم سعد زغلول، وتلميذه فؤاد زكريا، وجان بول سارتر صديقة اللدود، وحتى "جامعة السوربون" انتقدها وقال عن رجالها "لا يوجد بين أساتذة السوربون الآن ما يمكن أن يعلم شيئا ذا بال".ويعتبر كتابه "من تاريخ الالحاد في الإسلام" واحدا من أهم الكتب العربية التي صدرت في هذا القرن، فالمؤلف إذ تعد صفحاته رحلة علمية شيقة تضيء أكثر الجوانب إظلام في تاريخنا الإسلامي، ألا وهو "تاريخ الإلحاد في الإسلام" من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب، ومن هنا تبرز قيمته كبحث نادر يتحول في هدوء بين أروقة التاريخ كاشفا الأستار عن كثير من الحقائق والمواقف والشخصيات التي بقيت دائما في طي الظلمة والنسيان، بل لعله الكتاب الأول الذي يناقش بمثل هذه الدقة وتلك الموضوعية ظاهرة "الإلحاد في الإسلام"، معتبرا لأصولها ومبرزا لتطورها ودارسا لأهم أعلامها، فمن خلاله يتوضح للقارئ ما دار حول إعدام ابن المقفع وأسبابه الكامنة في زندقته، كما يعثر على شذرة لابن الرواندي أشهر ملاحدة الإسلام، لذا فالكتاب جمع مادته من هنا وهناك فجاء جامعًا شارحًا ومفسرًا لتلك الظاهرة وتلك قيمته الكبرى.إذ يصور الإلحاد، بانه تلك النتيجة اللازمة لحالة النفس التي استنفدت كل إمكانياتها الدينية، فلم يعد في وسعها بعد أن تؤمن. ويمضي الكتاب راصدًا حركة الإلحاد، بداية من الزنادقة الأوائل وانتهاء بأشهر الملاحدة كابن الراوندي، وهو في رصده لهذه الحركة يفسر أولا خصوصية الروح العربية والإلحاد العربي، ثم يطرح بعد ذلك معنى "الزندقة" كاشفا عن أصولها وعلاقتها بالمذهب " المانوي"، ثم ينتهي أخيرا إلى أعلام الإلحاد متتبعا أطروحاتهم الفكرية المختلفة.الكتاب إذن يتحرك داخل المنطقة الملغومة المحاصرة، والتي كانت من ثم دائما مجهولة غامضة في وعينا العربي، فما أحوجنا اليوم لمثل عبد الرحمن بدوي لمحاولة تفكيك نفس الظاهرة "الإلحاد" التي ينتشر اليوم بين شبابنا، ومحاولة معرفة أسبابه وطرق علاج هذه الظاهرة.
مشاركة :