مسلسلات «اللوحات»... «مرايا» الدراما السورية

  • 7/30/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تفتقد الدراما في المواسم الأخيرة المسلسلات السورية القائمة على اللوحات المنفصلة ضمن القالب الكوميدي، مثل «فقاقيع» و «وين الغلط» و «مرايا» و «بقعة ضوء» و «عالمشكوف» وسواها، طبعاً بعيداً من «نسخ فادي غازي الصينية». ولا يقتصر النقص في هذا اللون، الموجود عربياً في العقود الأخيرة، كـ «طاش ما طاش» و «سيلفي»، والذي تتميز به الدراما السورية منذ جذورها وتُطوّره من الإذاعة الى المسرح وصولاً الى التلفزيون، على غياب نوع درامي من حيث البنية، بل يمتد عمودياً وأفقياً في التأثير بمستواها وإمكان تجددها، إذ تشكل منذ قيامها رافداً أساسياً، ومصنعاً يطلق من العناصر كتاباً، مثل رافي وهبي وحازم سليمان وممثلين كثر ووجوه جديدة، ومخرجين من الأبرز عربياً، مثل حاتم علي والليث حجّو، ومختبراً تطويرياً لمواهبهم وتجريبياً لأدواتهم، إضافة إلى جمع أكبر عدد ممكن من المبدعين بطرق عمل وأساليب مختلفة تفاعلية، وحتى إشعال شرارة أولى لمسلسلات كاملة مستمدة من لوحات أولية، كـ «ضيعة ضايعة» من لوحتي «جيران» و «العزقة». ولا سيما أن هذه الأعمال تجمع في لوحاتها مختلف ضروب الدراما الإنسانية المعاصرة والتاريخية والشامية والشعبية والمستمدة من الأدب والموروث المحلي والعربي والعالمي... وسواها. يتحدث المخرج السوري الليث حجّو في اتصال لـ «الحياة» عن النشأة قائلاً: «نملك أرشيفاً مهماً جداً، منذ بداية البث وظهور عموم أنواع الفنون التمثيلية في سورية مع اختلاف أنواعها، ففي الإذاعة ساهم عدد من الفنانين الرواد، مثل حكمت محسن وأنور البابا وتيسير السعدي وفهد كعيكاتي، بأعمال مميزة ومرتبطة بالأحداث التي تمر بها المنطقة العربية في ذلك الحين، وعلى صعيد المسرح يمكننا أن نذكر فرقة عبد اللطيف فتحي و «مسرح الشوك» لعمر حجّو، وفرقة «مسرح تشرين» للكاتب محمد الماغوط ودريد لحام، وفي التلفزيون سلسلة «مرايا» لياسر العظمة». ويشير إلى تطور وتوسع هذا النوع «بتطور تقنيات التصوير والإنتشار أكثر مع ظهور البث الفضائي». وعلى الصعيد التلفزيوني، يرى الكاتب السوري مازن طه في حديث لـ «الحياة»، أن «ياسر العظمة هو صاحب السبق في تقديم هذا اللون وترسيخه»، مضيفاً: «ثم كرت السبحة. يمكننا القول إن معظم الأعمال اللاحقة خرجت من عباءة مرايا». ويلفت إلى تطور التجربة بقوله: «المشروع المنافس «بقعة ضوء» لم يعتمد على منطق النجم الواحد، فأسّس لمفهوم جديد في الكوميديا السورية. اعتبره المشروع الأنضج الذي قدم عدداً من الممثلين الذين أصبحوا نجوماً، وفرصة لعدد من الكتاب لإثبات وجودهم ومقدرتهم على كتابة الكوميديا». في هذا الجانب، تفسح هذه الأعمال المجال أمام الممثلين أنفسهم لكتابة لوحات خاصة وتنفيذ أفكارهم، مثل العظمة في «مرايا» وباسم ياخور وأيمن رضا في «بقعة ضوء». أما عن نجاح خصوصية هذا النوع الدرامي من حيث مضمونه وأسلوبه، فيعتبر طه أن «أعمال اللوحات أو السلاسل الكوميدية حققت حضوراً لافتاً على خريطة الدراما العربية وفي وجدان المشاهد العربي لأسباب، أولها أنها اتجهت نحو النقد الاجتماعي والسياسي واستطاعت أن تخرق عدة تابوات كان من الصعب الاقتراب منها. السبب الثاني يتعلق بطبيعتها الفنية التي تعتمد على الإيجاز والاختزال والرشاقة، فهي عبارة عن وجبة سريعة ودسمة في آن». ويوضح أن «أعمال اللوحات واكبت كل الأحداث الحياتية، وشكلت منبراً خاصاً للنقد وتسليط الضوء على السلبيات، ما أكسبها مزيداً من المصداقية والنجاح». ويوافق حجو طه برأيه قائلاً: «تبرز أهمية هذا النوع من الأعمال، بتنوع المواضيع ورشاقة الطرح، والأهم من ذلك هو تحولها رقيباً اجتماعياً ولسان حال الناس ضد مظاهر الفساد وأخطاء المجتمع ومؤسسات الدولة»، مشدداً على أن «ذلك فقط عندما تكون دراما نابعة عن وعي، ومدركة حجم المسؤولية الأخلاقية للمقولة ولا تسعى إلى التهريج فقط». ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن النقد في أعمال اللوحات لا يخجل من أن يكون ذاتياً أيضاً، إذ يطاول حتى الدراما السورية وثغراتها في كثير من الحالات الإنسانية والفنية والمهنية، من جهة التعامل مع الفنيين والكومبارس، إلى جانب توزيع الأدوار باستنسابية، وصولاً إلى فوضى عرض المسلسلات على التلفزيون الرسمي استناداً إلى المحسوبيات، وحتى رصد حياة الفنان الخاصة وكواليس التصوير... وغيرها. وعن جانب خاصية الصقل في هذه المسلسلات بالنسبة الى أصحاب الورق، يقول طه: «لا شك في أن كتابة هذا النمط من الأعمال يعتبر فرصة ثمينة لأي كاتب ينوي احتراف الكتابة الكوميدية او القيام بتجريب أدوات ورؤى جديدة، فهذه الأعمال يمكن ان تكون نقطة الانطلاق الأولى نحو فضاءات أرحب». وبالنسبة إلى المخرجين، يقول حجّو: «هي مساحة اختبار ممتازة لأدوات المخرج وكل العناصر الفنية الأخرى. يمكن من خلالها التجريب وإطلاق العنان للمخيلة عبر حلول فكرية وفنية متنوعة، وهذا شرط أساسي لنجاح هذه الأعمال وتطويرها إلى أشكال فنية جديدة حتى لا تقع بمطب التكرار والاستنساخ». ولكن ما سبب انحسار هذه الأعمال في السنوات الأخيرة وتراجعها وغيابها؟ يجيب طه: «من دون إغفال أن صعوبة هذه الأعمال تزداد بالطبيعة جزءاً بعد جزء، فإن غالبيتها أصيبت بالترهل والوهن، فوقعت في مطب التكرار وفقدت عنصر الإدهاش. السبب الأساسي هو عدم تقديم نصوص ذكية قادرة على جذب المشاهد. مثلاً «بقعة ضوء» قدّم جيلاً مهماً من الكتّاب في أجزائه الخمسة الأولى، ولم يقدر على الإتيان بجيل آخر يحل مكانهم». وفي ما يتعلق بموسم الدراما الجديد، تكشف مصادر في شركة «سما الفن» لـ «الحياة»، أن «الشركة بصدد تحضير استراتيجية موسم 2019، و «بقعة ضوء» موجود في الغالب»، وتجري بالتوازي محاولات جدّية لإنتاج جزء جديد من سلسلة «مرايا».

مشاركة :