«القصيدة القصة».. الشعر يلبس عباءة السرد

  • 8/3/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: محمدو لحبيب هل ينبغي رسم حدود فاصلة بين السرد والشعر بشكل عام، أم أنه يمكن في إطار الحديث عن الشعرية وسماتها المميزة التي ستحافظ على كينونة الشعر مهما تطور وامتزج بالأشكال الأخرى، السكوت عن تلك الفوارق والحدود؟سؤال كبير تطرحه دوماً تلك الأشكال أو «التحديثات الشعرية» التي تظهر هنا وهناك في عصرنا الحالي، والتي تتخلى عن الكلاسيكية التي عُرِف بها الشعر من حيث الانضباط بالقوافي والموسيقى، لتقارب وتنتج مفهوماً للشعر يكاد يتماهى أحياناً إلى حد التطابق مع السرد، لدرجة بروز مصطلح هو «القصيدة - القصة»، وهي حالة سرد تختفي خلف عنوان قصيدة، بمعنى أن الشاعر الذي يكتب القصيدة - القصة، لا يهمه أن تبدو كقصائد الشعر العمودي أو التفعيلة أو النثر، بل يصر على أن تكون خارجة من أسر كل التصنيفات، وقريبة أكثر من روح القصة القصيرة وسماتها المعروفة سلفاً، ومتمتعة أكثر بروح الحكاية.يذهب بعض النقاد إلى القول بأن مفهوم القصيدة - القصة ليس جديداً على الشعر العربي، فقد ظهر مبكراً مع الشاعر الجاهلي امرئ القيس في قصيدته التي يحكي فيها حكاية ذئب التقاه وحاوره، لكن ذلك النموذج ظل مجرد موضوع داخل شكل القصيدة التناظرية الخليلية، أما الآن فالأمر مختلف جداً، فهو يستقي تنويعاته من أشعار مثل قصيدة الشاعر الفرنسي جاك بريفير المشهورة «وجبة الصباح» والتي يقول فيها: وضع القهوة/ في الفنجان/ وضع الحليب في فنجان القهوة/ وضع السكر/ في القهوة بالحليب/ حرّكها/ بالملعقة الصغيرة/ شرب القهوة بالحليب/ وضع الفنجان/ دون أن يكلّمني/ أشعل سيجارة/ نفث دوائر/ من دخانٍ/ ألقى الرماد/ في المنفضة/ دون أن يكلّمني، دون أن ينظر إليّ/ نهض/ وضع قبّعته على رأسه/ ارتدى معطف الشتاء/ لأنّ المطر كان يهطل/ وانصرف تحت زخّات المطر/ دون كلمة/ دون أن ينظر إليّ/ وأنا وضعتُ/ رأسي بين يديّ/ وبكيتُ.«الخليج» فتحت هذا الموضوع، وحاولت مقاربته من خلال طرح سؤال رئيسي على بعض الشعراء هو: هل حقاً يمكن اعتبار القصيدة - القصة شكلاً شعرياً جديداً، على غرار قصيدة النثر، أم أنه مجرد أسلوب يحافظ على الأشكال الشعرية التي كانت موجودة، ويقدم محتوى مختلفاً؟.الشاعر الدكتور شهاب غانم يقول: «القصيدة القصة جزء أصيل من الشعر مثلها مثل الملاحم، وهي موجودة منذ زمن الجاهلية عند امرئ القيس، لكنه لم يكتبها على شكل القصة المعروفة عندنا حالياً، وتتجلى بنفس الطريقة عند الشاعر عمر بن أبي ربيعة، وهي موجودة كذلك في تراث الأمم الأخرى كما في الملاحم الشعرية عند هوميروس».ويؤكد غانم أن القصيدة - القصة، برغم قدم وجودها إلا أنه لا يمكن اعتبارها شكلاً شعرياً قائماً بذاته، ويقول عن ذلك: «تلك النوعية من القصائد تروي حكايات تاريخية واجتماعية إنسانية، لكنها مجرد أسلوب أو طريقة للتنويع في القصيدة، وليست شكلاً شعرياً قائماً بذاته، وينبغي أن يكون الأساس فيها هو الشعر وليس القصة».ويرصد غانم بدايات تأثرنا كعرب في العصر الحديث بنموذج القصيدة - القصة عند الغرب، حيث ظهر ذلك في بعض أشعار إيليا أبي ماضي، لكنه ظل محافظاً على شكل الشعر وماهيته المعروفة.ويبين غانم اختلاف القصيدة - القصة عن القصيدة الغنائية قائلاً: «في الأولى الشاعر يعبر بالسرد لا عن نفسه بل عن فضاء آخر، ويتقمص دور السارد، ولا بد أن يكون متمكناً إلى جانب شاعريته من دور القاصّ، أما في الغنائية فالشاعر يكتب انطلاقاً من نفسه وتوصيفاً لحالة ذاتية، ووفق موسيقية واضحة حتى وإن بدت هناك حكاية فهي حكاية ذاتية بحتة».الشاعر والباحث أحمد محمد عبيد، يرى أن القصيدة - القصة هي شكل شعري لكنه بمواصفات خاصة، ويقول: «هي شكل شعري قائم على المضمون المختلف، ويحافظ على نسق القصيدة سواء كانت عمودية أو تفعيلة»، ويؤكد عبيد أنها كانت معروفة في السابق: «نظمها الشاعر الكبير الراحل أحمد شوقي، وتكثر كذلك في أشعار عمر أبي ريشة، وفي قصائد نزار قباني». يؤكد عبيد أن استعمال هذا النموذج الشعري يجب أن يخضع لعدة شروط، ويقول: «استعمال هذا النموذج يجب أن يرتبط ببراعة وتمكن من فن السرد، ومن فن الشعر، فلا مجال للاستسهال، وكذلك على الشاعر هنا أن يحرص على ألاّ يقع في المباشرة والتقريرية».وحول ما إذا كان هذا النموذج يفتح الباب للسطو على الشعرية من طرف بعض من يجيدون السرد أكثر من الشعر، يقول عبيد: «لا أعتقد ذلك، ففي النهاية ذائقة الجمهور الذي يعرف الشعر هي من ستحكم، والأمر ليس سهلاً، فهذا النموذج يتطلب كما أسلفنا إجادة وتمكنا لا يمكن أن تتوفر لسارد عادي، أو شاعر عادي، بل لا بد من أن يكون صاحب تجارب عديدة، ووصل إلى درجة النضج فيها».الشاعر أشرف علي البولاقي، يبدأ رده على سؤال استطلاعنا بتساؤل آخر فيقول: «مَن قال إن قصيدة النثر شكل شعري مستقل بذاته؟»، ويردف: «الشعرية موجودة في كل شكل تعبيري بياني يقصده صاحبه، والعبرة دائماً في قدرة الشكل على اقترابه من مفهوم الشعر وروحه، اعترافنا بقصيدة النثر، كمثال، جاء بعد أن أثبتت نماذجها قدراتها الفنية».ويؤكد البولاقي تبعاً لذلك أن نموذج القصيدة - القصة، لم يثبت قدراته بعد، ويقول: «لم تستطع القصيدة القصة أن تثبت قدراتها بعد، لا يمكنني الحكم عليها الآن، ولا يمكنني مصادرتها، هي نفسها ما تزال في طور التشكل والتأسيس والتكوين، تحاول أن تجمع بين جماليات الشعر والسرد معا، وهو تحدٍ ليس سهلاً، لكنه ليس مستحيلاً».لكن البولاقي يرى أن ثمة سؤالاً مهمّاً ينبغي أن يطرح حول من يكتبون القصيدة- القصة، وهو: ما الذي يدفع كتّاب هذا النموذج لممارسته؟ هل يريدون أن يجمعوا بين الحُسنيين مثلاً؟ هل هم مغامرون؟ حسناً، الفن مغامرة، فمرحباً بالمغامرة، لكننا في النهاية لن نرحب بفن دون ضوابط وشروط تحكم ممارسة القصيدة - القصة، هي ضوابط فنية من داخل العمل، ومن أتون المغامرة نفسها، وليست ضوابط من الخارج.يختم البولاقي قائلاً: «في اعتقادي، ما يزال الوقت مبكراً جداً، للحكم على هذه المغامرة الفنية، وتجربتنا مع قصيدة النثر، وما لاقته من هجوم، ما تزال ماثلة أمامنا، من يدري؟ لعل المستقبل يؤكد القصيدة القصة، ويفسح لها مجالاً بفضل قدراتها وتجلياتها».الشاعرة والفنانة التشكيلية وفاء خازندار ترى أن الشعر أساساً لا ينبغي أن يتقيد بشكل محدد، وتقول: «هو حالة تصويرية، أهم شيء فيها هو القدرة على إبداع صور معبرة جداً تعطي المتلقي فكرة جديدة».وتضيف: «لا ينبغي الانشغال بما إذا كانت تلك القصيدة شكلاً شعرياً جديداً أم مجرد محتوى جديد، بل يجب الاهتمام بما تقدمه، إنها تقدم سرداً قصصياً يصف بلغة شعرية خلاصة تجربة إنسانية، والحكم عليها كما أسلفت ينبغي أن يكون عبر سؤال آخر: هل هي مجرد تهويم شعري خاص للشاعر، أم أنها قدمت للمتلقي فكرة وتجربة تنتمي لواقعه أو تشبهه؟».وتؤكد خازندار أن نموذج القصيدة- القصة، لا ينبغي أن يُعامل باستسهال: «علينا أن نحرص على احترام القارئ والمتلقي بشكل عام، فلا خزعبلات أو رمزيات موغلة في التهويم يمكن أن تقنعه، لذلك فالشاعر الذي يكتب ذلك النموذج، عليه أن يدرك أنه مقدم على عمل صعب، ويتطلب أيضا أن يقدم شيئاً مفيداً وواضحاً، ولا يمكن القبول من كل من له اسم شعري شهير أن يتكئ على اسمه، ويقدم نموذج القصيدة- القصة دون إجادة مسبقة للسرد وتقنياته».تشدد خازندار على أن اللغة في نموذج القصيدة- القصة هي الأهم، وأنها ينبغي أن تكون قريبة من لغة اليومي، دون ابتذال، ودون أن تتخلى عن التقاط الصور الشعرية المدهشة، ودون أن تتحول إلى تقرير في نفس الوقت، وتختم كلامها قائلة: «إنها حكاية لكنها حكاية شاعرة، تركز على الحدث وتجمع تفاصيله وتقدمها بسلاسة للمتلقي».

مشاركة :