شاعر وأديب عراقي، يعد واحدا من الذين نهضوا بالشعر العربي، وأسهموا في تأسيس مدرسة الشعر العربي الجديد في العراق، إنه عبد الوهاب البياتي الذي تمر، اليوم الجمعة، ذكرى وفاته.يمتاز شعره بنزوعه نحو عالمية معاصرة متأنية من حياته الموزعة في عواصم متعددة وعلاقاته الواسعة مع أدباء وشعراء العالم الكبار، مثل الشاعر التركي ناظم حكمت والشاعر الإسباني رفائيل ألبرتي والشاعر الروسي يفتشنكو والمقام الكبير فالح البياتي، وكذلك بامتزاجه مع التراث والرموز الصوفية والأسطورية التي شكلت إحدى الملامح الأهم في حضوره الشعري وحداثته. وحصل البياتي على شهادة اللغة العربية وآدابها 1950، واشتغل مدرسا من عام 1950-1953، ومارس الصحافة عام 1954 في مجلة الثقافة الجديدة لكنها أغلقت، وفصل عن وظيفته، واعتقل بسبب مواقفه الوطنية.وسافر إلى الكويت ثم البحرين ثم القاهرة، وزار الاتحاد السوفييتي ما بين عامي 1959 و1964، واشتغل أستاذا في جامعة موسكو، ثم باحثا علميا في معهد شعوب آسيا، وزار معظم أقطار أوروبا الشرقية والغربية.وفي سنة 1963 أسقطت منه الجنسية العراقية، ورجع إلى القاهرة في 1964 وأقام فيها إلى عام 1970.وفي الفترة (1980- 1989) أقام البياتي في إسبانيا، وهذه الفترة يمكن تسميتها المرحلة الإسبانية في شعره، صار وكأنه أحد الأدباء الإسبان البارزين، إذ أصبح معروفا على مستوى رسمي وشعبي واسع، وترجمت دواوينه إلى الإسبانية.وفي سنة 1991 توجه إلى الأردن ومنها إلى الولايات المتحدة الأمريكية قبيل حرب الخليج الثانية بسبب وفاة ابنته نادية التي تسكن في كاليفورنيا حيث أقام هناك 3 أشهر أو أكثر بعدها توجه للسكن في عمان الأردن ثم غادرها إلى دمشق واقام فيها حتى وفاته عام 1999.وينطلق البياتي في رؤيته من أرضية ثابتة لاعتمادها على تسليط القوى الشعرية على تلك الأرضية التي تمزج الواقع مع الشعر محاولة إظهار التوقعات نحو المستقبل، وان كان التوقع صعبا يماشيه القلق والتردد وهذا ما يسمى "بالرؤية المأساوية" والتي اشتهر بها البياتي في قصائده لأنها تنظر إلى المجتمع بمنظار خاص فمثلا في قصيدة النبوءة يقول البياتي:"قلت لكم: لكنكم أشحتم الوجوه.علم مزيق وحبكم مشبوهيا أيها الأبواق يا بهائم في السوققلت لكم: عليفكم مسروقلكنكم نفختم في البوق."تلك القصيدة التي من خلالها أشهر البياتي سيف المواجهة والدمار تعبيرا عن الحقيقة في واقع المجتمع العربي، معايشا ما يكتبه غير مهتم بما يقبل من غيره في تمرده بحماسة كبيرة، مجسدا ما تريده الجماهير من شاعر يفتح أبواب النور على عيونها، يتجلى فيه حسه الذي هو حلم الجماعة.هذه الرؤية الشعرية عند البياتي لم تأت من فراغ، إنما استقت الكثير من مبادئها من الاتساق المعرفي والفلسفة الغربية لتمتزج بما يملكه الشاعر من مخزون فكري وثقافي محلي، ولكن وحدها لا تكفي لتخلق شاعرا برؤية مميزة "فالفلسفة تعطي دورا معرفيا ولأنها خصت بالبرهان فقد خصت الشعر بالمقابل بالشكل، وأبعدت الشاعر عن مهمة التأمل في مشاعره ومحاولة اكتشاف داخله أو الاكتشاف عبر داخله"هذه الرؤية تعد من الجوانب المهمة في فهم ومعرفة شعر البياتي، لأنها تشكل بوابة كبيرة في معرفة تجربته الشعرية الفريدة بمختلف مراحلها.
مشاركة :