نُبل عبد الوهاب البيّاتي

  • 7/7/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يوسف أبو لوز يذكر الشاعر العراقي نصيّف الناصري (60 عاماً) في حوار صحفي أجراه معه عبد الكريم العامري أن مجموعته الشعرية «أرض خضراء مثل أبواب السنة» صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 1996 على نفقة الشاعر عبد الوهاب البيّاتي.في ذلك العام 1996 كان البيّاتي (أبو علي) يقيم في العاصمة الأردنية عمّان. في ذروة هجرات عشرات من الشعراء والفنانين والكتّاب العراقيين من بلادهم إلى الأردن، والكثير منهم، بل أغلبهم جاءوا إلى عمّان، لتكون محطتهم الأولية إلى المهاجر الأوروبية، فمنهم من حصل على لجوء سياسي، ومنهم من حصل على لجوء إنساني إلى دول أوروبية، فحمل حقائبه إلى مهجره الأوروبي، وقد تخلّص من عذابات حياته من بغداد إلى عمّان. وقد حالف الحظ الشاعر نصيّف الناصري، وحصل هو الآخر على لجوء إلى السويد، والآن يعيش هناك، ويكتب بلغته التي يشتقّها من حياته التي تشبه رواية، بدءاً من تعلّمه القراءة والكتابة في مركز لمحو الأميّة وتعليم الكبار في مدينة الثورة في مدرسة الجبل الأخضر عام 1975، كما جاء في سيرته، مروراً بالخدمة العسكرية الإجبارية وتسريحه منها في عام 1991، وليس انتهاءً بتفرّغه للكتابة في مهجره السويدي، لأن كل كتابة هي بالضرورة بداية.لم يكن عبد الوهاب البيّاتي قد ساعد على نشر مجموعة الشعر لنصيّف الناصري وحده، بل ساعد شعراء عراقيين آخرين، وكنت في تلك الفترة أعمل في جريدة «الدستور» الأردنية، وربطتني بالبيّاتي صداقة عميقة عرفت من خلالها شخصية هذا الشاعر الإنساني الكبير، المسكون دائماً بكبرياء احترامه لنفسه أولاً، واستقلاليته التي تبدو، خطأ، للآخرين شكلاً من أشكال النرجسية المفرطة، لكن «أبو علي» لم يكن نرجسياً على الإطلاق. كان يحترم نفسه، ويحترم تاريخه الشعري كما يحترم قصيدته الخصوصية المميزة، ويرى فيها اختلافاً فكرياً ووجودياً عن كل ما كان يحيط به من شعر عربي منذ الستينات.بأم عيني كنت أرى عبد الوهاب البيّاتي يضع يده ببعض المال في جيب شاعر أو كاتب أو فنان من دون كلام، ومن دون أي إشارة تحرج هذا الإنسان الذي هو في حاجة إلى المساعدة، وكان الكثير من الشعراء العراقيين يعتبرون البيّاتي بمنزلة أخيهم الأكبر في عمّان، ولكن ليس الأخ الوصائي أو الطغياني، بل هو «أبو علي» بروحه الإنسانية، وحوله أيضاً شعراء إنسانيون صبروا على مرارات أيامهم برجولة.كان البيّاتي يجلس في مقهاه المعتاد في عمّان «الهورس شو» في أواسط تسعينات القرن العشرين عند نحو السادسة مساءً بكامل أناقته، وبكامل حضوره الكبريائي الشعري. وسوف ألاحظ أن «أبو علي» يجلس دائماً، وخلف ظهره جدار، ولا يجعل ظهره مكشوفاً لأحد. ومرّة سألته عن ذلك بالضبط، فأجاب: أخاف الغدر. وقال أيضاً: لا تجلس إلى لئيم.كان عبد الوهاب البيّاتي كريماً، أنيقاً، كبريائياً، وفي الوقت نفسه كان رجلاً غامضاً مثل غموض عائشة في شعره. yabolouz@gmail.com

مشاركة :