مع نسمات البحر الهادئة القادمة إلى مسرح الحمامات من البحر الأبيض المتوسط، وعلى وقع أصوات الآلات الموسيقية الخافتة، استمتع الجمهور التونسي والأجنبي الذي حضر حفل الفنان الإسباني كارلوس نينوزا المختص في الآلات الإيقاعية، إلى موسيقى مغايرة راوح فيها بين موسيقى البحر الأبيض المتوسط ورحلات المحيط الأطلسي الهادرة وقدم للجمهور موسيقي الغايتا وأنواعا من الكلاسيكي الإسباني ليجوب كل موسيقات العالم.فخلال قرابة الساعة والنصف قدم الفنان الإسباني درسا عميقا وشفافا في الموسيقى الراقية والممتعة، وجاب بالحاضرين ثنايا الزمن ومراحل التطور الموسيقي الإسباني وقادهم في جولة سياحية موسيقية انطلقت من كاتالونيا الإسبانية إلى البرتغال المجاورة وآيرلندا الحالمة والبرازيل والحمامات وانتهت السهرة برقصة تقليدية بريطانية جمعت الفرقة الموسيقية المكونة من أربعة عازفين، بالجمهور الحاضر في الدورة 54 لمهرجان الحمامات الدولي.العازف الآيرلندي بانشو الفراز داعبت أنامله القيثارة، وعازف الإيقاع أكسيركسو نوناز، والعازفة الأميركية «كيانا» على آلة الكمان، إضافة إلى العازف الإسباني حملت الحاضرين في رحلة موسيقية لا تنتهي. وكان العرض بمثابة رحلة فنية في عمق التاريخ الأوروبي والأندلسي والاسكوتلندي والآيرلندي، ونجح في فرض لون موسيقي مغاير.الفنان الإسباني الذي أصدر إلى حد الآن 21 ألبوما موسيقيا، انبهر بآلة «المزود» التونسية بعزف التونسي غيث بوزيد، وهي آلة نفخية محلية تختلف بعض الشيء عن بقية الآلات النفخية المنتشرة في الحوض الغربي للمتوسط، واختلطت موسيقى المزود مع موسيقى الفلامنكو لتطلق مزيجا هائلا من الألوان الموسيقية.وكانت السهرة مناسبة كذلك للمنافسة بين آلات شرقية وأخرى غربية مشابهة لها على غرار ذاك السجال الذي حدث بين «البندير» الشرقي للتونسي عبد القادر الدريدي وآلة الطمبور الغربية، وأنتجت هذه «الزيجة» موسيقى ممتعة ومميزة.وفي هذا الشأن، قالت الناقدة الفنية التونسية مفيدة خليل إن الموسيقى عند الفنان الإسباني كانت ولا تزال «عنوانا لحلم جميل، حلم تقوده الموسيقى وتحملك حيث ما تريد إلى عالم الجنان بموسيقاها وأنهارها»، فهي تمثل «سحرا سرمديا لن ينضب لحلم مميز وأنيق كأنه عزف الإله على وتر الروح»، على حد تعبيرها.
مشاركة :