القاهرة - استقبل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الأحد في القاهرة، وزير الخارجية الإيطالي انزو موافيرو ميلانيزي، حيث شملت المباحثات، إضافة إلى العلاقات الثنائية بين البلدين، عددا من الملفات والقضايا الإقليمية أبرزها ملف الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب والأزمة الليبية. كما أجرى سامح شكري وزير الخارجية المصري مشاورات مكثفة مع ميلانيزي وعقدا مؤتمرا صحافيا مشتركا تطرقا فيه إلى عدد من القضايا التي تهم البلدين. وتحسنت العلاقات بعد الأزمة التي نشبت إثر مصرع الطالب الإيطالي جيوليو ريجيني في القاهرة مطلع عام 2016، ولا تزال التحقيقات متواصلة بشكل يشي بالتنسيق والتعاون لكشف ملابسات التعذيب الذي ظهرت آثاره على جسد ريجيني. وأوضح بيان للخارجية المصرية، تلقت “العرب” نسخة منه، أنّ لقاء الوزيرين تناول تطورات الأوضاع في ليبيا واستعرض شكري خلاله رؤية مصر تجاه الأزمة والجهود التي تبذلها لتحقيق الاستقرار. وترحب القاهرة بالتعاون مع روما للتوصل إلى صيغة شاملة تحقق الاستقرار السياسي والأمني وتواجه الإرهاب وتعيد بناء مؤسسات الدولة الليبية، وتعالج الخلل في توزيع الموارد بين مناطق ليبيا، وتتيح إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية في أقرب فرصة. وقالت مصادر مصرية لـ“العرب” إن التحسن الواضح في العلاقات المصرية الإيطالية جاء على خلفية حوارات طويلة جرت في كل من القاهرة وروما بشأن إيجاد حل للأزمة الليبية التي تمثل تداعياتها قلقا لهما، وفي مقدمتها الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب. وحرصت المصادر في الوقت ذاته على التنبيه إلى ضرورة عدم انتظار نتائج عاجلة من زيارة المسؤول الإيطالي لمصر وذلك بسبب حرص القاهرة على اتباع سياسة الخطوط المتوازية مع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية الفاعلة على الساحة. وأوضحت أن ملف ليبيا بحوزة لجنة مصرية عليا ممثلة فيها جهات أمنية وسياسية عدة تمتلك رؤية شاملة ولديها دراية بالأوزان الحقيقية للقوى الفاعلة وبينها إيطاليا التي لن تستطيع حسم الموقف بمفردها لأنها تتعامل مع أطراف من ضمنها ميليشيات مسلحة وتتجاهل قوى أخرى لمجرد أنها تختلف مع رؤيتها ما يؤثر سلبا على مستقبل الدور الإيطالي. وضاعفت روما تدخلاتها السياسية والأمنية والاجتماعية في ليبيا بذريعة سدّ ممرات الهجرة التي تستخدم الأراضي والسواحل الليبية للوصول إلى إيطاليا وهي تعمل بقوة للحفاظ على مصالحها الاقتصادية الكبيرة هناك والعودة إلى مناطق النفوذ التقليدية ما جعلها تنفتح على قوى محلية وإقليمية ودولية متعددة لمواجهة النفوذ الفرنسي. وتؤيد مصر الموقف الإيطالي في التريث وعدم التعجيل بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية الليبية وتوحيد المؤسسة العسكرية وتشكيل حكومة وفاق وطني تشرف على الانتخابات. وتعارض إيطاليا الرؤية التي وضعها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ليبيا والتي تقوم على تنظيم الانتخابات في 10 ديسمبر المقبل، بصرف النظر عن الحالة الأمنية وضمانات تنفيذ ما ستسفر عنه الانتخابات. وتعتقد روما أن دور باريس الراهن يهدد أمنها القومي وأنها (روما) “الأقدر على تسوية الأزمة الليبية”. وكشفت المصادر أن مصر منفتحة على فرنسا وإيطاليا بالتساوي، وتحاول توظيف الثقل السياسي والأمني للبلدين في عودة الاستقرار إلى ليبيا، وتنحاز إلى باريس في موقفها المتشدد من التنظيمات الإرهابية وتدعم روما في أهمية عدم إجراء الانتخابات قبل تهيئة الأجواء الليبية. وأكدت المصادر أن روما تسعى إلى جذب القاهرة نحوها لامتلاكها عددا من أوراق القوة في الملف الليبي، لكن مصر لا تغفل إمكانية أن تكون لدى إيطاليا رؤية قد تتعارض في النهاية مع المصالح المصرية والليبية وتحرص من هذا المنطلق على التوفيق في التنسيق بشأن الملف الليبي مع روما وباريس على حدّ السواء. وضاعفت القاهرة تحركاتها باتجاه الولايات المتحدة، كي لا يؤدي الصراع الفرنسي الإيطالي إلى المزيد من التعقيدات في الأزمة الليبية، وأجرت مشاورات ناجحة مع واشنطن. وعلمت “العرب” أن إيطاليا تعول على مساندة مصر في المؤتمر الخاص بليبيا في روما مع بداية أكتوبر المقبل، لضبط الدفة السياسية التي بدأت تميل نحو باريس عقب طرح مبادرة فرنسية في مايو الماضي جمعت بموجبها القيادات الرئيسية في الأزمة. ولم تكن القاهرة متفاعلة سياسيا مع مؤتمر باريس وكان تمثيلها الدبلوماسي خلاله معبّرا عن عدم الترحيب. وغاب وزير الخارجية ووزير الاستخبارات عن المؤتمر وحضره إبراهيم محلب مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية. وتعول القاهرة على الولايات المتحدة التي أصبحت أكثر انخراطا في الأزمة الليبية مؤخرا، وتعتبرها مؤهلة لتكون ضابط إيقاع سياسيا وأمنيا بين فرنسا وإيطاليا، لكن روما ترى أن واشنطن يمكن أن تكون أكثر تأييدا لرؤيتها على ضوء التقارب في الأفكار بين جوزيبي كونتي رئيس وزراء إيطاليا والرئيس الأميركي دونالد ترامب. وتسعى روما إلى تعميق علاقتها مع واشنطن، بعد استقبال ترامب لكونتي في البيت الأبيض، الأسبوع الماضي. وقال متابعون للشأن الإيطالي لـ“العرب” إن إيطاليا تحول تكريس حضورها الأمني من خلال تأمين بعض المنشآت، ومد بصرها إلى بعض القواعد العسكرية بدعم حكومة فايز السراج التي تعد روما من أهم داعميها في مواجهة المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبي المدعوم من فرنسا.
مشاركة :