كاتبة وقاصة فلسطينية من قرية فسوطة في الجليل الفلسطيني، تكتب بالعربية والإنجليزية، صدرت لها عدة مجموعات قصصية: «حياتنا الصغيرة» و«الخواجا» و«القفص»، شاركت قبل عام في كتاب «مملكة الزيتون والرماد... أدباء في مواجهة الاحتلال» مع الكاتب «ماريو فارغاس يوسا» و24 كاتبًا عالميًا، تُرجم الكتاب إلى 11 لغة ووصل إلى قائمة الواشنطن بوست للكتب الأكثر مبيعًا. لها رواية إنجليزية نسائية قيد النشر، وتعمل على مذكرات عودتها وعائلتها إلى فلسطين بعد معاهدات أوسلو، إنها الكاتبة والقاصة الفلسطينية «فدى جريس»، التي التقتها «ثقافة اليمامة» وكان لنا هذا الحوار: * هل هناك موضوعات تغلب على تفكيرك وتفرض نفسها عليكِ عند الشروع في كتابة قصة جديدة؟ بمعنى أشمل: كيف تُولد القصة لدى «فدى جريس»؟ - حتى الآن، كان لمحيطي في فلسطين وحياتنا اليومية المعاشة فيها، القدر الأكبر من إلهامي لكتابة القصص، ففي اللحظات التي أضحك فيها من موقف طريف يحدث في قريتي، أو أشعر بالقهر عند الحواجز العسكرية، أو بالغضب من سمة ما في مجتمعي، كل هذا يتجمع لديّ ليولّد القصص، وتنبع شخوصها من الإنسان العادي الذي أرصده في مختلف هذه المواقف. * بين قبرص وبريطانيا وكندا ولبنان وفلسطين... تنقلتِ وأقمتِ، فهل أثرى الترحال تجربتك في الكتابة، أم عدم الاستقرار كان له أثر على تركيزك؟ - في الحقيقة، بدأت بالكتابة عن فلسطين وأنا في الخارج، وكأن ترحالي كان له الأثر في رؤية حياتي هنا بشكل أوضح، ومع شوقي إليها بدأت أكتب القصص عنها. الترحال كان له أثر إيجابي للغاية في كتاباتي، حيث تعرفت على عديد من الثقافات أفادتني في رؤية العالم بمنظور أوسع، وأصبحت أكتب للناس في كل مكان وأحس أني أعرف الكثير عن ثقافات وشخصيات من أكتب لهم، بالتالي أستطيع في كتابتي بالإنجليزية أن أخاطبهم بما يفهمونه. * هل الوطن أجمل وأنتِ بعيدةً عنه؟ - وطني يرزح تحت وطأة احتلال واستيطان شرس وهجوم يومي لا يتوقف على حياتنا وإنسانيتنا وثقافتنا، ومن الطبيعي أن نمر بلحظات من الألم والانكسار في حياتنا فيه، لكني لا أستسلم كثيرًا للرومانسية التي تطغى على الإنسان حين يسافر إلى الخارج ويرى وطنه بعيون تكاد تكون مثالية، مررت بتلك الفترة حين كنت وعائلتي في المنفى، قبل أن نتمكن من العودة إلى الوطن، لكن بعد عودتنا توطدت علاقتي بالمكان وبتّ أراه جميلًا وموجعًا في آن، أينما حللت. * كتاب «مملكة الزيتون والرماد» حقق رواجًا عالميًا كبيرًا، خاصة فى نسخته الإنجليزية، ووصل الكتاب إلى قائمة صحيفة «واشنطن بوست» للكتب الأكثر مبيعًا، لماذا لا يتم تكرار التجربة حول انتهاكات أخرى تمارسها إسرائيل من أجل فضح ممارساتها عالمياً؟ - من المشجع أن كمية المعلومات التي تُكتب الآن عن ممارسات الكيان الصهيوني هي في ازدياد مستمر، ومع وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا بات من الصعب على هذا الكيان الاستمرار في التعتيم على جرائمه. وبهذا الصدد، أعمل الآن على مذكراتي وعائلتي في العودة إلى فلسطين، مع التركيز على التمييز وممارسات «الابارتهايد» التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني داخل فلسطين التاريخية أيضًا، وهذا العمل يكمل تجربة «مملكة الزيتون والرماد» بنظرة أكثر اتساعًا وشمولية لكل الشعب الفلسطيني وتاريخ نكبته، وممارسات إسرائيل ضده منذ ذلك الحين وحتى لحظتنا الراهنة. * في مجموعتك «القفص»، تخلصتِ من قيود البنيات الشكلية، ومنحتِ قصصك سمات شعرية كثيرة، من خلال إدخال انزياحات قاربت مجاز الشعر، بكثافته وتراكيبه وطاقته الشعورية، فهل يمكن أن نرى رواية عما قريب ل«فدى جريس»، أم أنك من المخلصين للقصة القصيرة؟ - في الحقيقة، تمّ وصفي ب«المخلصة لفن القصة القصيرة» في عدد من الصحف والمجلات التي كتبت عن أعمالي، وحتى الآن أجد نفسي مشدودة إلى هذا اللون الأدبي في كتابتي رغم أني أقرأ كل الأنواع الأدبية. الأصدقاء يحثونني على كتابة الرواية وربما أفكر فيها لاحقًا، إلا أني الآن في مرحلة تطوير والاستمتاع بالقصة القصيرة، التي تراجعت في العقد الأخير مع تركيز الناشرين والقراء على الرواية، لذا أشعر بأني أسهم في إعادة إحيائها أيضًا. * بالمناسبة: ما رأيك في من يجمعون بين أكثر من نوع أدبي... حيث بتنا نرى الكاتب والشاعر والمسرحي، أو الشاعرة والروائية والقاصة؟ - أعتقد أن هذه الأنواع جميعها هي آليات للتعبير الأدبي، ومن الممكن أن يجد الكاتب نفسه في أكثر من آلية، ولا مانع لديّ في التجربة، طالما شعر بأنها توفر له القالب الذي يبحث عنه للتعبير عن المضمون الذي يريد. إلا أننا نجد أن عديداً من الكتّاب يستقرون في المجمل في نوع أدبي معيّن، ويجربون في أنواع أخرى، لتبقى مجمل أعمالهم في النوع الطاغي الذي أحبوه وتمكّنوا فيه. * الاستجابات النّقديّة تواكب أعمالك الإبداعيّة باستمرار، كيف تنظرين إلى النّقد الموجه إلى كتاباتك، وهل أنصفك هذا النّقد؟ - أقدّر كثيرًا النقاد ومواكبتهم لكتاباتي وأتقبّل آراءهم وآراء القراء بصدر رحب فهي تغني الكاتب، وتعطيه، أحيانًا، زوايا لتأويل أعماله ربما كانت جديدة عليه ولم يفكر بها. كذلك تثريه في رؤية الأخطاء وتجنبها، وتصقل تجربته من خلال رؤية أعماله في أعين الآخرين، وهو ما يسعد أي كاتب، فهو لا يكتب كي يصفق الناس فحسب، بل يلتمس ويبحث عن تفاعلهم مع النص. * في الختام.. ما تقييمك للقصة القصيرة الفلسطينية المعاصر؟ - لدينا محاولات جادة في مجال القصة القصيرة لكني أعتقد أن المشهد الأدبي في فلسطين يعكس ذلك في العالم العربي ككل، وهو الابتعاد عن الاهتمام بهذا اللون الأدبي، للأسف، والتركيز في الرواية والشعر، وآمل في ازدياد الأعمال القصصية في الفترة القادمة وأن تلقى تشجيعًا من الناشرين والمؤسسات أيضًا كي تعود إلى ازدهارها.
مشاركة :