صورة لا أحب أن أراها في وطني

  • 11/13/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

في ناحية من الحي الذي أسكنه هناك أرض مفتوحة توضع فيها هذه الأيام معدات إحدى الشركات الوطنية المتخصصة في تبديل الخطوط الهاتفية إلى ألياف بصرية، تعمل هذه المعدات طوال النهار، وقبيل الغروب تُجمع في هذا المكان ويبقى عندها حارس بسيط أعتقد أنه من الجنسية البنجلاديشية، هذا العامل ليس عليه لباس ثقيل يقيه أو على الأقل يخفف عنه شدة البرد في هذه الليالي الشمالية الشاتية الممطرة الطويلة، ولَم يوضع له مكان ينام فيه أو على الأقل يجلس ويرتاح، وإنما يبقى طوال الليل على الرصيف أو بين المعدات دون مأوى فضلاً عن الأكل والشرب والملبس والفراش. أثار وجود هذا العامل بهذه الصورة المأساوية أول الأمر تساؤلات أهل الحي، ترى ما قصته؟ لماذا هو هنا طوال الليل واقفاً أو جالساً يترقب؟ واكتشف جاره القريب من الأرض بعد التقصي والسؤال أنه وضع ليحرس المعدات، وأنه تابع للشركة الوطنية ذات الصيت، وأن صاحبها - كفيله- كما قال لنا أحد الجيران معروف بالخير، فهو من بنى ذلك المسجد المتميز الذي افتتح في غضون الأشهر القليلة الماضية وهو وهو.... هذا الصباح مررت من جانبه وإذ به قد جمع أخشاباً مرمية في قارعة الطريق، وكراتين بالية أخذها من صناديق القمامة فصنع منها غرفة صغيرة على الرصيف يجلس فيها مفترشاً الأرض ملتحفاً تلك البقايا المتهالكة التي تتأثر بأدنى قطرة غيث. أثار هذا المشهد الذي قد يتكرر في صور مختلفة وبأماكن متعددة - بيوتنا، مزارعنا، شركاتنا، استراحاتنا - لمن هم تحت أيدينا من خدم وعمال، فتذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللّه تحْتَ أيْدِيكُمْ. فَمَنْ كَانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مما يأكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِما يَلْبَسُ. ولا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ فإنْ تكلَّفوهُمْ فأعِينُوهُمْ». إن هذه الفئة التي تغربت عن الأهل والديار للحصول على اللقمة الحلال في هذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية، حقها علينا أن نحفظ لها كرامتها ونساعدها في تجاوز محن الحياة وصعوبة العيش بما نستطيع، ولذا كان لزاماً هنا تذكير أصحاب الشركات والمزارع والاستراحات -في هذه الأيام التي يحل فيها الشتاء- بواجب الالتفات بأنفسهم لمن تحت أيديهم من عمالة، فهم مسؤولون عنهم أمام الله، والتقرب إليه سبحانه بتوفير ما يقيهم شدة البرد وزخات المطر مقدم على غيره من أبواب الخير التي يمكن أن يقوم بها آخرون، مع أن هذا الأمر محل الحديث قد لا يكلف الكثير، فخيمة صغيرة سهل وضعها ونزعها وسرير بسيط وفراش ومستلزمات الحياة الأساسية هي غاية المنى لهذا العامل البسيط الذي يجلس على الرصيف طوال الليل. أعرف أن صاحب هذه الشركة الذي يقطن مدينة أخرى ربما لا يعرف عن حال هذا العامل، وقد يكون لم يزر مدينتي من قبل، ولا يعرف حتى اسم الحي الذي أسكنه وإنما وكل أمر الإشراف لغيره، وأسند مهمة متابعة العمالة وتوفير حاجياتهم الأساس لآخرين، وغالباً من جنسيات أخرى غير سعودية فكان هذا التقصير الذي هو في النهاية مسئول هو عنه قبل غيره، وصدقوني عمل بسيط لا يكلف لا جهداً ولا يأخذ وقتاً ولا يستنزف مالاً يسعد أمثال هذا العامل، ويعكس في ذات الوقت الصورة الإيجابية التي نتمناها لبلدنا لدى جميع شرائح المجتمعات التي عملت في هذه الأرض الطيبة المباركة. ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.

مشاركة :