رواية ملحمية تسرد أحداث حقبة معتمة من تاريخ فلسطين

  • 8/11/2018
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

تدور أحداث رواية “قبل ضياع الجنة” للكاتب صادق عبدالقادر حول الصراع العربي الصهيوني في فلسطين، بوصفه صراعا ثقافيا في أحد وجوهه خلال أواخر الحكم العثماني والسنوات الأولى من الاحتلال البريطاني. وبقدر ما تعرّي الرواية الركائز الاجتماعية المرتبطة بقوى الاستعمار وإغراق المجتمع في صراعات وخلافات داخلية، فإنها تكشف عن كوننا لا نزال نراوح في نفس الموروث الثقافي، حيث تقدم في بدايتها صورة للانقياد الشعبي الساذج للموقف الرسمي، ثم ارتطامه بالواقع المؤلم. وذكر عبدالقادر في ندوة أقيمت لإشهار الرواية ومناقشتها برابطة الكتّاب الأردنيين، أن الحقبة التي تتناولها الرواية هي حقبة معتّمة لا يعرفها الكثير من الناس، ومضى عليها نحو مئة عام، لكنها حقبة مهمة في تاريخ فلسطين. وأضاف أنه حين بحث في تلك الحقبة أصيب بالذهول، فقد اكتشف أن الثقافة العربية لا تختلف في الحاضر عما كانت عليه في الماضي أو المدفون منها، مبيّنا أن جهلنا كعرب بما كان يحاك ضدنا هو مسألة ثقافية بالدرجة الأولى، مسألة غياب الوعي، نتيجة للحكم العثماني لمدة تزيد على الأربعة قرون في ظل سياسة غير بريئة من التجهيل التام. ولفت أحد المشاركين في الندوة إلى أن الكاتب أثار في روايته هذه السؤال الكبير، مثلما أثار “أبوالخيزران” السؤال الكبير عند غسان كنفاني في روايته “رجال في الشمس”: لماذا لم يدقوا جدار الخزان؟ الرواية تكشف بجرأة ما كان يجري في فلسطين أواخر الحكم العثماني والسنوات الأولى من الاحتلال البريطانيرواية تكشف بجرأة ما كان يجري في فلسطين أواخر الحكم العثماني والسنوات الأولى من الاحتلال البريطاني وتستند الرواية، التي صدرت مؤخرا في جزأين (1400 صفحة) عن الآن ناشرون وموزعون في عمّان، إلى مرجعيات تاريخية – اجتماعية، وتمت صياغة أحداثها وشخصياتها بما يشابه أو يقارب الواقع، فهي وإن كانت تجري في فلسطين أواخر الحكم العثماني والسنوات الأولى من الاحتلال البريطاني، فإنها عند المقارنة بحاضر الثقافة العربية تكشف أننا مازلنا نراوح في نفس الموروث الثقافي المشترك، وكأننا لا نتغيّر في عالم دائم التغيير. وتلج الرواية الريف الفلسطيني لتقدم ثلاثة نماذج تحكّمت فيه، وشكّلت أدوات وركائز أساسية للحكم العثماني: الإقطاعيين، والمخاتير، ورجال الدين “الزائفين”، هؤلاء الذين ما إن حل الاستعمار البريطاني بدل العثماني حتى غيروا مواقعهم وصاروا ركائز له. وتفضح الرواية خيانة هؤلاء، وتعرّي ادعاءاتهم بالحفاظ على العرض والدين والشرف، في حين كانوا هم من ينتهكون ذلك بالخيانة التي وصلت حد القتل. كما أنها تعري أيضا دور “المشايخ” الخطير، الذي مُزج في أذهان الناس بين العادات والتقاليد والدين والتبشير بدخول الجنة مشروطا بإطاعة أولي الأمر. وهكذا لعب هؤلاء دور الكاهن بينما لعب الاحتلال والإقطاعيون دور الجلاد. وتتطرق الرواية أيضا إلى موضوع الشرف الضّيق، المحصور في جزء من المرأة، هذا المفهوم الراسخ في ثقافة المجتمع، حيث “من البديهي” أن تُقتل الفتاة فاقدة العذرية، علما وأن انتهاك الإقطاعيين والوجهاء لأعراض الفتيات والنساء العاملات في البساتين كان شائعا من دون أن يجرؤ أحد على الكلام، فإما التكتّم وإما قتل الضحية، في حين لا يُعاقَب الجاني ولا القاتل. وفي السياق ذاته، تتناول الرواية عرفا اجتماعيا آخر مدمّرا هو “الثأر” المتجذّر في العقلية العربية، وتظهر بشاعته من خلال معارك دموية لا ترحم، وتضيء جانبا مخفيا هو أن العديد من حالات الثأر حدثت بسبب استغلال الإقطاعيين ضعف مركز الدولة العثمانية، ودخول بعضهم في حرب ضد بعضهم الآخر لزيادة أملاكهم وعدد فلاحيهم، واستخدامهم كوقود في صراعاتهم بسبب الولاءات العائلية والعشائرية التي أورثتهم دوامة من الثارات، والنتيجة فناء عائلات وتشتت بعضها وهروب الكثير منها. لكن مقابل هذه النماذج السلبية تقدم الرواية نماذج أخرى مقاومة، تواجه التآمر وقسوة الاحتلال وعقابه الجماعي. وتتابع لقاء أفرزته الأحداث بين أخوين شتتهما الثأر، استقر أحدهما في يافا وشهد ثورتها، وظل الثاني فارا مستوطنا في الصحراء، ليبدأ التفكير من جديد في الانتقام والبحث عن كنز العائلة الذي أخبرهما والدهما عن مكانه قبل مقتله، ليكتشفا أنه لم يترك لهما كنزا من الذهب، بل ما هو أغلى بكثير. وفي الفصل الأخير تدخل الرواية إلى المدينة لتصف أول ثورة حقيقية نشبت في البلاد ضد المخطط الصهيوني، ثورة يافا والعديد من المدن التي كادت تجهضه في مهده لولا تدخل القوات البريطانية وبطشها.

مشاركة :