المصلحجي الأكبر، عم الشعراء وسيد اللغة العربية، أبوالطيب المتنبي، يقول في وصفه للحمى: "وزائرتي كأن بها حياءً / فليسَ تزور إلا في الظلامِ". وقبل أن أدرعم في موضوع المقالة، أقول لو أن غيره جاء بتركيبة الشطر الثاني من البيت "فليسَ تزور إلا في الظلامِ" لتم قصفه بالمنجنيق المبين، ولتم سحبه إلى محكمة التمييز مباشرة بتهمة "عَفْس اللغة العربية"، ولأحيلت أوراقه إلى المفتي. لكن لأنه حبيب اللغة ومعشوقها، فقد تبارى اللغويون في إعراب "فليسَ" وتركيبتها، وتقاضبوا الشوَش، وتبادلوا القصف بالمحابر والأقلام، بعد اختلافهم حولها؛ هل اسمها "ضمير الشأن" أم هي "حرف نفي مهمل" أم غير ذلك؟ وهل يجوز استخدام "ليس" بدلاً من "ليست"؟ وخذ عندك من هالمعارك اللغوية التي أشعلها عم الشعراء وسيد اللغة. ما علينا، يبدو أن المتنبي كتب هذا الشطر تحت تأثير الحمى والصداع وزغللة العينين، كما هي حالتي الآن أثناء كتابة هذه المقالة. وإن كانت زائرته بها حياء، أو شيء يشبه ذلك، فإن زائرتي قليلة أدب، لا تراعي التوقيت، ولا تستحيي، فقد زارتني عصراً، فلم أحسن ضيافتها، فحذرتني ليلاً، فكابرتُ، فشنت هجومها، فكافحتها بالأسلحة البيضاء الخفيفة مدة يوم واحد، فلما سقطَت، غادرتُ ميدان المعركة دون أن أتأكد من موتها، فإذا بها تعود بصورة أشرس، وقد اكتسبت مناعة وقوة، وباغتتني بالقصف والغضب من الجهات الأربع، فبتّ ليلتي في المستشفى وأنا أضحك على "هياطي" واستهتاري بها قبل أيام، عندما كنت أقول لها ما كان يقوله بعض السياسيين الكويتيين الشرفاء لكل تابع وذنب: أنا ما أرد عليك، هات عمك ومعزبك يقابلني. لكنني منذ اللحظة سأرد عليها، بعد أن تأكدت أنها لا تحب المزاح ولا الغشمرة. قليلة الأدب.
مشاركة :