إن من أهم عوامل النجاح الذكاء والحنكة وحسن التصرف حتى إتمام العمل، وقلما يأتي نجاحٌ بغير حسن تدبير وتخطيط جيد، وقلما تنتهي الحنكة بغير نجاح، لأن الحنكة والذكاء من أهم مقومات الاستمرار في العمل التجاري. يروي العم سعود عبدالعزيز الراشد قصة والده التاجر عبدالعزيز عبدالمحسن الراشد رحمه الله قائلاً: «كان الوالد رحمه الله مثالاً رائعاً للفطنة والذكاء وحسن التصرف. أما عن قصة ذكائه وحنكته وحسن تصرفه، فيجدر بنا في هذا المقام ذكر هذه القصة، التي دارت أحداثها في منطقة الدمام في منتصف العشرينيات من القرن العشرين، وكان بطلها الوالد رحمه الله، حيث ذهب إلى منطقة الدمام ليشتري صوفاً من التاجر عبدالله النهقي، وهو أحد التجار من قبيلة صغيرة، ممن يسكنون منطقة الدمام، وكان الوالد عبدالعزيز الراشد قد أعد العدة وجهز أمواله واتجه إلى الدمام لإتمام تلك الصفقة، والعودة إلى الكويت محملاً ببضاعته من الصوف، ولكن أحياناً وكما قالوا: تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد حدث ما عكر صفو هذه الرحلة السعيدة، وحدث ما حال دون إتمام تلك الصفقة، حيث غارت إحدى القبائل الكبيرة في ذلك الوقت على تلك القبيلة، وأخرجتهم من بيوت الشعر التي كانوا يسكنون فيها، وأخذت ما لديهم من أموال وبضائع. وكان على عبدالعزيز الراشد أن يفكر في حل سريع للخروج من تلك الأزمة التي حلت به، فرتب أفكاره، وأعاد ترتيب أوراقه، حيث قام أولاً بإخفاء ما لديه من أموال بدفنها في مكان آمن تحت شجرة، بحيث لا يشك أحد في وجود الأموال بذلك المكان، وحرص ألا يراه أحد في أثناء ذلك، واختار بعض العلامات الدالة عليها حتى يسهل عليه الرجوع إليها عند استقرار الأحوال والحاجة إلى استخراج تلك الأموال. وبعد أن اطمأن المرحوم عبدالعزيز الراشد على أمواله التي أخفاها في ذلك المكان، توجه مسرعاً إلى كبير تلك القبيلة الكبيرة، التي غزت القبيلة الصغيرة، فطلب السماح له بالدخول عليه، وبالفعل تم السماح له رغم الفارق الكبير في السن بينهما، وبدأ كلامه بذكر تلك القبيلة بالخير، وامتدحها بطيب الصفات، وما عرف عنها من أخلاق العرب من الشهامة والنخوة والكرم، ثم عرفه بنفسه، وبأنه من تجار الكويت، كما ذكر لكبير تلك القبيلة صلة القرابة التي تربطه بها، حيث ذكر أن أحد إخوان أبيه من أمه ينتمون إلى تلك القبيلة الكبيرة، وأن هذه القبيلة من القبائل العريقة، والمشهود لها بالفضل والمكانة في الكويت وعلاقتها الطيبة وقربها من حكام الكويت، فما كان من كبير تلك القبيلة إلا أن قربه إليه وتوسم فيه علامات النجابة، وقال له: آمر، ماذا تريد أيها التاجر الشاب؟ قال له: «ارجاع بيت الشعر، وحلال عبدالله النهقي له»، فقال له: «لك ما أردت»، وأمر كبير تلك القبيلة الغازية من كان حوله من أبناء قبيلته بإرجاع بيت الشعر والحلال لعبدالله النهقي ولجميع أفراد قبيلته إكراماً لوالدنا عبدالعزيز الراشد، الذي حرك فيه النخوة والشهامة، فلما علم عبدالله النهقي بما فعله المرحوم عبدالعزيز الراشد من أجله ومن أجل عودة بضائعه وحلاله، شكر له ذلك وحفظ له الجميل، ودفع إليه بالصوف قبل تسلّمه الثمن، فبين عبدالعزيز الراشد أن ما فعله هو الواجب وما يحتمه عليه الضمير والأخوة، وذهب عبدالعزيز الراشد لاستخراج أمواله من مكانها التي كان قد أخفاها به، ودفع له مبلغ الصوف، وعاد لوطنه الكويت محملاً ببضاعته سالماً غانماً، تاركاً وراءه قصة رائعة شاهدة على حنكته وذكائه وحسن تصرفه». د. عبدالمحسن الجارالله الخرافي ajkharafi@yahoo.com www.ajkharafi.com
مشاركة :