إن تقديم العون والنصرة والمساعدة لمن يحتاج إليها سلوك إسلامي أصيل، وخلق رفيع تقتضيه الأخوة الصادقة، وتدفع إليه المروءة ومكارم الأخلاق. وقد كانت حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم خير مثال يحتذى في كل شيء، لا سيما إغاثة الملهوف، وتقديم العون لكل من يحتاج إليه، حتى لقد عرف بذلك قبل بعثته صلى الله عليه وسلم. ومما لا شك فيه أن أصحاب النجدة والمروءة لا تسمح لهم نفوسهم بالتأخر أو التردد لحظة واحدة عند رؤية ذوي الحاجات؛ فيتطوعون بإنجاز وقضاء حوائجهم طلبًا للأجر والثواب من الله تعالى. والموقف الذي بين أيدينا خير مثال للمروءة والشهامة والمبادرة لفعل الخير، حيث يروي عوض راشد عوض راشد الشنفا موقفاً حكاه له والده راشد عوض الشنفا عن جده عوض الشنفا رحمهما الله، حيث يقول عوض حفيد عوض الشنفا: «في سنة من السنوات كالعادة عندما يريد جدي عوض الشنفا صاحب حملة الشنفا للحج أن يتحرك بحملته قاصداً نقل الحجاج إلى بيت الله الحرام، كان يأتيه رجل من السعودية ومعه سيارته (حافلته) الكبيرة ليؤجرها للحملة لنقل أغراض الحجاج ولتنطلق هذه الحافلة الكبيرة، وكان عوض صاحب الحملة يركب هذه السيارة الأولى وكل قافلة الحملة خلفه، وفي سنة من السنوات وهم في الطريق أصابهم مطر كثير فأُغلقت أغلب الطرق ومع معرفة عوض الشنفا بالطرق إلا أنه لم يجد طريقاً لكثافة السيول، وكان ذلك قبل تعبيد الشوارع بالأسفلت. وكان عوض يعرف أمير منطقة الرس فذهب إليه مع الحملة فوجد بعض الحملات الكويتية أمامه تعاني المشكلة نفسها فقال أمير الرس لرجل يعرف الطرق (دِليلة) اركب مع عوض الشنفا ودلهم على طريق نافذ، فتحرّكت الحملة وركب (الدليلة) مع جدي عوض -رحمه الله- في صدر الحافلة وعند خروجهم من منطقة الرّس أرادوا الالتفاف فخرجت لهم فجأة حافلة أخرى وصدمتهم وجهاً لوجه وأصيب جدي والسائق والدليل الذي معهم وتحطمت الحافلة فقام صاحب السيارة الأخرى في حركة غريبة مستهجنة بسكب الكولونيا على كرسي السائق ليقولوا لأمير الرس عندما يذهبون إليه أن السائق كان يشرب الكحول ولم يكن في حالة طبيعية وهو من تسبب في الحادث». ويكمل عوض الشنفا حديثه عن جده قائلا: «وذهبوا لأمير الرس وقالوا له إن أصحاب السيارة هم من تسببوا بالحادث لأنهم كانوا بحالة غير طبيعية فغضب عليهم أمير الرس غضباً شديداً وقال عوض أعرفه رجلاً صالحاً وذاهباً للحج كل عام ومعه صاحبي (الدليلة)، أنتم تفترون عليهما ووبخهم توبيخاً شديداً. واستطرد بقوله: «فتركوا السيارة المحطمة في الصحراء وأخذوا معهم صاحبها الذي خسر رأسماله وهو هذه الحافلة التي كانت مصدر دخله، ولما وصلوا إلى مكة أخبر جدي عوض أصحاب الحملات الكويتية بما حصل وأخبرهم برغبته في التبرع لهذا السائق الذي خسر مصدر دخله، ولم يقصر معه أحد وتبرَّع الجميع حتى الحجاج الكويتيون ولم يخبر جدي السائق، ولما رجعوا إلى الكويت قال له أريد شراء سيارة وأنت تعرف السيارات جيداً، وذهبا معاً إلى شركة فورد آنذاك واختار السائق سيارة كبيرة جديدة لجدي أفضل من سيارته القديمة، وبعد ان اختار قال له جدي عوض هذه السيارة هدية لك، عوضك الله خيراً من الذي فقدت، فتعجب الرجل ودهش ولم يكن يصدق، وبعدها ذهب جدي معه بالسيارة إلى مصنع حديد وركب له أيضاً حديداً جديداً كالحواجز الكبيرة، فسرّ الرجل وشكر لعوض الشنفا وأهل الكويت هذه الهدية. ويتضح مما سبق أن التاجر عوض الشنفا كان يتميز بصفات فاضلة وخصال طيبة أبرزها الشهامة والمروءة والمبادرة إلى فعل الخير ومساعدة الآخرين ونجدتهم وتعويضهم عن خسارتهم، وتلك هي صفات الرجال العظماء.. رحم الله التاجر عوض الشنفا. د. عبدالمحسن الجارالله الخرافيajkharafi@yahoo.com www.ajkharafi.com
مشاركة :