تونس - يحتدم الجدل في تونس على وقع إرهاصات حزمة الإصلاحات الاجتماعية التي تضمنها تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة، وسط تحذيرات من توظيف هذا التقرير، واستخدامه كوقود للمعركة الانتخابية القادمة التي بدأت تفرض نفسها بقوة على خارطة المشهد السياسي في البلاد. وتجد هذه التحذيرات صدى لها في الخشية المتصاعدة التي باتت تنتاب أغلب المتابعين لتطورات الوضع السياسي في تونس الذي تحول خلال هذه الأيام إلى ما يشبه ساحة واسعة للمزايدات على القضايا المرتبطة بالحريات الفردية والمساواة بين الجنسين. وتباينت ردود الفعل حول مضامين تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة بين من اعتبرها إضافة جديدة للمزيد ترسيخ الحريات والمساواة بما يعزز المكاسب والحقوق لتقترب من المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وبين من رأى فيها مقدمة لـ”فتنة اجتماعية” بالنظر إلى تعارضها مع النص الديني، والدستور وهادمة للأسرة ومعادية للهوية. وأعدت التقرير المذكور لجنة الحريات الفردية والمساواة بناء على تكليف من الرئيس الباجي قائد السبسي، وذلك لمراجعة بعض القوانين، واقتراح حزمة من الإصلاحات التشريعية المتعلقة بالحريات الفردية والمساواة وفقا للدستور التونسي الصادر في 27 يناير 2014، والمعايير الدولية لحقوق الإنسان. وجاء هذا التقرير في 233 صفحة، وتضمن جزأين أساسيين، الأول خصص للحقوق والحريات الفردية، بينما تناول الثاني مسألة المساواة، مرفوقا بحزمة من الاقتراحات ضمن إطار مقاربة اجتماعية ودينية، لتضمينها في التشريعات المعمول بها حاليا في البلاد. ومنذ الإعلان عن هذا التقرير في الثامن من يوليو الماضي، لم يتوقف الجدل المرافق له، بل تحول إلى مزايدات باتت تدفع بالوضع العام في البلاد نحو الاقتراب كثيرا من مربع الفرز الخاطئ الذي يحجب الرؤية عن المسائل الحارقة التي تؤرق المواطن، وتهدد تماسك النسيج الاجتماعي. برهان بسيس: تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة أصبح قضية سياسية بامتياز برهان بسيس: تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة أصبح قضية سياسية بامتياز وساهم انتقال الجدل المرافق لتلك المزايدات إلى الشارع في تطور كشف عن معركة سياسية عكستها المظاهرة الرافضة لمضمون تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة، التي تمت السبت أمام البرلمان. وتبرز تلك المظاهرة من خلال قراءة خريطتها السياسية، وتوزع القوى داخلها، حجم هذه المعركة التي يرجح أن تكون عنوان المرحلة القادمة، خاصة وأن القوى المؤيدة لمضمون التقرير المذكور تعتزم هي الأخرى تنظيم مظاهرة اليوم الاثنين في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة. ويرسم الاحتكام إلى الشارع الذي تعكسه هذه التحركات السياسية، الخطوط العريضة للمرحلة القادمة، التي باتت تفرض بمعادلاتها مسار المعركة المرتقبة في علاقة بالاستحقاقات الانتخابية المرتقبة في العام 2019. وعلى وقع تلك المعادلات التي أخذت مسارات متعددة، بدأت المساحات بين القوى المتنافسة تتسع تباعا مع استمرار هذا الجدل، ما خلق أرضية مناسبة لانكشاف ازدواجية خطاب حركة النهضة الإسلامية، وممارساتها التي لم تخرج قط عن السياق العام لتنظيمات الإسلام السياسي. ويتضح في هذا السياق أن حركة النهضة الإسلامية دخلت فعليا في عملية توظيف سياسي متعددة الجوانب لاستغلال هذا الحراك الاجتماعي لجهة الدفع به نحو استنهاض مخزونها الانتخابي، وتحفيزه استعدادا للمعركة الانتخابية القادمة. واستحضر عدد من قادة حركة النهضة مفردات خطاب ديني متشدد، عكستها تصريحات رئيس مجلس الشورى، عبد الكريم الهاروني، التي قال فيها إن “النهضة لا تبيع ولا تشتري في الحلال والحرام”، وذلك في الوقت الذي تعالت فيه أصوات أخرى للمطالبة بعرض ما تضمنه التقرير من اقتراحات على استفتاء شعبي. وبدا واضحا أن حركة النهضة تسعى من وراء ذلك إلى اختبار قوتها الشعبية، الأمر الذي أثار هواجس القوى المؤيدة للتقرير التي رفضت تلك الدعوة إلى الاستفتاء، وحذرت في المقابل من استهدافات حركة النهضة التي تريد تحويل التقرير المذكور إلى وقود للمعركة الانتخابية القادمة. وأعربت بشرى بالحاج حميدة، رئيسة لجنة الحريات الفردية والمساواة التي أعدت التقرير المذكور، عن اعتقادها بأن “هناك أطرافا سياسية تريد توظيف ذلك للدخول بشكل مبكر في معركة انتخابية على حساب حق المواطن في المعرفة”. وفي المقابل، لم يتردد برهان بسيس المكلف بالشؤون السياسية في حركة نداء تونس، في القول في تدوينة نشرها الأحد في صفحته الرسمية على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك، إن تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة “ليس مجرد قضية فكرية بل هو الآن في حضرة الشيطان اللعوب السياسة”. واعتبر أن هذا التقرير “أصبح الآن قضية سياسية بامتياز لا تمثل على حواشيه شعارات الحداثة والتقدمية والمدنية أو شعارات الهوية ولبيك يا إسلام وحماية الدين سوى وقود تنكري لحرب السلطة التي اقتربت آجالها في 2019 وحمت مناوراتها ومعارك الاستنزاف فيها قبل الحسم الكبير”. وأضاف “حركة النهضة استعرضت حشودها في باردو”، وذلك في إشارة إلى مظاهرة السبت الرافضة للتقرير. وأكد أن الجميع يعلم أن ما يسمى بتنسيقية الدفاع عن القرآن والدستور والتنمية التي دعت إلى تلك المظاهرة “ليس سوى حركة النهضة عندما تعود إلى المنزل وتنزع أثقال الماكياج عن وجهها لتعود إلى صورتها الأصلية”.
مشاركة :