تصفية استعمار العقل

  • 8/13/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: «الخليج»تزخر القارة الإفريقية بوجود عدد كبير من الأدباء الذين حققوا شهرة عالمية، واقتربوا من منصات التتويج في كثير من الجوائز الدولية، مثل جائزة نوبل والتي حصل عليها بالإضافة إلى الروائي المصري نجيب محفوظ، الأديب النيجيري وول سونيكا ونادين جورديمر وج. م كويتزي من جنوب إفريقيا، وهناك عدد آخر ظل على قوائم ترشيح الجائزة الكبرى لسنوات طويلة مثل الروائي الصومالي نور الدين فرح والروائي النيجيري بن أوكري، والأديب الكيني نجوجي واثيونجو الذي يعد من المنظرين لأدب ما بعد الاستعمار، ومن الكتاب الأفرو أمريكيين، وينشر مؤلفاته باللغة المحلية الكينية، وكذلك باللغة الإنجليزية.ورغم المعاناة التي عاشتها القارة كثيراً بسبب الاستعمار الطويل، وبسبب قضايا التفرقة العنصرية إلاّ أن أدباء القارة السوداء استطاعوا أن يكونوا صوت بيئاتهم المحلية، وعبروا بشكل كبير عن الواقع المرير الذي يعيشه مواطنوها، وكذلك استطاعوا من خلال رواياتهم وقصصهم وأشعارهم أن يرسموا نقاطاً مضيئة للمستقبل، وقد استفاد هؤلاء الأدباء من اللغات المحلية، وكذلك من اللغات الوافدة وهي الإنجليزية والفرنسية والبرتغالية، ما جعل كثيراً من كتاباتهم تخترق الحدود الجغرافية لتصل إلى آفاق عالمية أكثر رحابة. يرى المترجم والناقد حسين عيد أن الأدب الإفريقي يتميز في مجمله بعدة سمات، أولها: انحيازه للبيئة المحلية، فنجد المفردات اليومية داخل النصوص القصصية والروائية والشعرية أيضاً، حيث الأحراش والغابات والصحارى الممتدة، ثانياً: الانحياز إلى قضايا إنسانية بالغة الدقة، ومنها قضية المواطنة، وقضية التفرقة العنصرية، ويظهر ذلك في كتابات عدد من أدباء القارة أمثال وول سونيكا، ونادين جورديمر التي ولدت عام 1923 في مدينة سبرنجز الواقعة على بعد ثلاثين كيلومتراً من جوهانسبرج بجنوب إفريقيا، وقد عاشت نادين فترة صباها وسط مجتمع أبيض مغلق، لا مكان فيه للسود، وتأثرت بالثقافة الإنجليزية والأدب الإنجليزي في مطلع حياتها، لكنها سرعان ما وقفت إلى جانب السود، وأصبحت قضية التفرقة العنصرية هي قضية حياتها الرئيسية التي انعكست على إنتاجها الأدبي الذي بلغ أربع عشرة رواية منشورة، وأكثر من مائتي قصة قصيرة وعدة كتب فكرية، وقد ترجمت أعمالها إلى أكثر من ثلاثين لغة.كانت جورديمر قد بدأت نشر إنتاجها من القصة والرواية بدءاً من نهاية الأربعينيات، مركزة في أعمالها على قضية التفرقة العنصرية في جنوب إفريقيا، التي ملكت عليها شغاف نفسها، وتغلغلت إلى أعمالها بشكل مباشر وقد توقفت خلال فترة نهاية السبعينات وبداية الثمانينات عن الكتابة، في محاولة منها لإعادة تأمل المجتمع الذي تعيش فيه ومراجعة تجربتها السابقة في الكتابة والحياة، فإذا بها ترى الأمور نفسها سادرة في طريقها المرسوم لترسخ أبعاد السياسة العنصرية المجحفة التي تجعل فئة قليلة من البيض تحكم سيطرتها على مقدرات كثيرة غالبة من أهالي البلاد من السود.ولعل خاطراً خيالياً كان يراودها عندئذ، وهذا هو جوهر الإبداع، وهو: ماذا لو انقلب الحال وانعكست الأوضاع لسبب ما؟، وكأنها كانت تستقرئ المستقبل، فإذا بسكان البلاد الذين يمثلون الأكثرية هم المسيطرون حتى يضطر البيض «الأقلية» إلى اللجوء إلى من يحميهم.ولم تتردد نادين جورديمر كثيراً بل راحت تجري بحثاً روائياً لوضع ذلك الخاطر موضع التنفيذ، متخيلة اندلاع ثورة السود في جنوب إفريقيا - التي تمت بعد ذلك- وسجلت ذلك في روايتها البديعة «قوم جولاي» التي نشرتها عام 1981.ويشير حسين عيد إلى أن ثيمة الرفض هي إحدى السمات المميزة للأدب الإفريقي المعاصر، وهذا ما نجده في كتابات متعددة ومنها روايات الكاتب المالاوي «ليجسون كاييرا» الذي ولد عام 1942 لعائلة فقيرة، وقد أصدر خمس روايات منها «المعتقل عام 1974» وهي الرواية الأكثر شهرة له، وبسببها تم منعه من الكتابة في مالاوي بعد أن أصبح الدكتور باندا رئيساً لها، وهو ما دفع كاييرا إلى الاستقرار في بريطانيا.يضيف عيد: جنح كاييرا في روايته إلى «الرمز»، حيث جعل أحداث روايته تقع في بلد خيالي يدعى «ملاموزا» كان مستعمراً لمدة مائة عام من المحتل الإنجليزي، لكن السير «زدوك ملينو» ابن «ملاموزا» بطل الرواية والحاصل على الدكتوراه في الحقوق، خلّص بلاده من الاستعمار ومنح مواطنيه حريتهم وأصبح أول حاكم وطني للبلاد، وقد أطلقوا عليه «أعظم أبناء إفريقيا» وأكبر المؤرخين لها، كما كانت تحاك حوله الأساطير ومنها كما جاء في الرواية «يحكى في قريتي أن السير زادوك يستطيع أن يحول نفسه إلى طائر أو أفعى، وأن بمقدوره أن يجعل نفسه لا مرئياً متى شاء» وقد أنشأ زادوك حزبًا اسمه «شعب ملاموزا» لكن مع مرور الأيام يتحول هذا الحاكم إلى ديكتاتور يلقي من يخالفه في المعتقلات السياسية.روافد تراثية وشعبيةأما الشاعر السوداني علي الكامل فيرى أن تجربة الأدب السوداني هي أحد الروافد المهمة في تجربة الأدب الإفريقي، وعن ذلك يقول: تتميز التجربة الإبداعية السودانية بالتنوع، نظراً لاتساع المكان الذي يتوازى مع اتساع الرؤية وكثرة الروافد التراثية والشعبية والحداثية التي ينهل منها المبدعون، ورغم كثرة الأسماء المبدعة في السودان وجنوب السودان، وما بينهما من مناطق إلاّ أن القارئ العربي لا تتعدى معرفته إلا أسماء تتجاوز أصابع اليد الواحدة كالطيب صالح وجيلي عبد الرحمن وكمال الجزولي وحمد الملك وأمير تاج السر، بينما تقف قامات إبداعية ذات تجارب مفارقة في منطقة التهميش الإعلامي.مع ذلك تحاول مجموعة جادة من شباب المبدعين ومن أجيال سابقة الخروج، إما بالهجرة إلى دول قريبة كمصر والأردن، أو بالهجرة إلى مدن العالم الجديد كأستراليا وكندا، ما يتيح لهم فرصة طيبة للنشر، وإن جاء في طبعات محدودة، ومع ذلك ظهرت أسماء مختلفة في القصة والشعر والرواية، مثل محمود مدني وأحمد ضحية وعبد الحميد البرنس وعبد العزيز بركة ساكن وعفيف إسماعيل وعثمان البشري والتيجاني سعيد وبثينة خضر مكي وغيرهم.يضيف الكامل: تتضافر في الأدب السوداني خصائص الكتابة الإفريقية وخصائص الكتابة العربية أيضاً، فنجد أن الأدباء، خاصة كتاب السرد، في السودان قد أخذوا عن العرب الاحتفاء بالتاريخ، ومن الكتابة الإفريقية أخذ ما يتعلق بسؤال الهوية وعلاقة الذات بالآخر، وقد انشغل الأدباء بصورة أساسية بطرح سؤال: كيف يكون الإنسان أكثر إنسانية، وتشييد حياة أفضل ويتقاطع معه عدة أسئلة ابتداء من الأسئلة الخاصة بقضايا الهوية والمرأة وصولاً إلى متناقضات اليومي المعاش.وفي جنوب السودان ظهرت مجموعة من الأسماء التي عبرت عن الطبيعة المكانية ومن أبرز هذه الأسماء «جاكوب جل أكول» صاحب رواية «عودة العاصفة» و«أجنيس لوكودو» صاحب رواية «الريبة» و«فرانسيس دنيق» صاحب رواية «طائر الشؤم وبذرة الخلاص» ويهتم معظم هؤلاء الكتاب بتوظيف التاريخ في إطار تحليل الظواهر الاجتماعية وبعضهم يكتب باللغة العربية والبعض الآخر خاصة أدباء الجنوب يكتبون باللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية.تقول الشاعرة والمترجمة غادة نبيل: دافع الأدب الإفريقي على مدار تاريخه المعاصر عن فكرة الهوية وقد استفاد في ذلك كثيراً من «الثقافة الشفاهية» التي انتشرت في القارة السمراء، وقد بدأت هذه الملامح في الظهور أكثر ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تم مزجها بالوعي السياسي الذي يدل على الانتماء الحضاري للأفارقة، والأديب الإفريقي بشكل عام نظراً لاعتماده على الموروث الشعبي فإنه يتمتع بذاكرة قوية، هذه الذاكرة مسكونة بحكايات الأجداد والأساطير والأمثال.بدايات الكتابة السردية في إفريقيا ظهرت منذ ثلاثينات القرن الماضي، حيث كان بعض الأدباء يكتبون باللغة السواحيلية، ومنهم جيمس فيوتيلا صاحب الرواية التاريخية «الحرية للعبيد» والتي صدرت عام 1934، ومحمد سعيد عبد الله من «زنجبار» وهو أول من ألف الروايات البوليسية باللغة السواحيلية ومن مؤلفاته «مزيمو وواتوكاله» ثم ظهر جيل من الأدباء الذين تأثروا بلغة الاستعمار الفرنسي، وكتبوا أعمالهم باللغة الفرنسية مثل «سيزير» صاحب «دفتر العودة إلى الوطن» والذي أصبح رئيساً لدولة السنغال بعد ذلك «ليوبولد سنجور» 1906-2011 صاحب المجموعة الشعرية «أغاني الظل» التي صدرت عام 1945 والتي روج من خلالها لقضية الدفاع عن الهوية الزنجية وثقافة السود، ومواجهة دعاوى الاستعمار بتغريب الهوية.كان سنجور وإيمي سيزار من كتاب مجلة «حضور إفريقي» التي أصدرها عام 1947 الأديب السنغالي أليون ديوب، وكانت تطبع في طبعتين في باريس وداكار وقد استقطبت المجلة عدداً كبيراً من الكتاب الأفارقة ثم جاء جيل الستينات في الأدب الإفريقي مثل الشاعر الكونغولي تشيكايا أوتامسي، ومونغوبتي كاتب القصة وصاحب رواية «مسيح بومبا الفقير» الصادرة عام 1956 ليؤكدوا الهوية الأدبية الإفريقية دون تعصب للزنوجة.أصداء عالميةيؤكد الشاعر زين العابدين فؤاد، الذي عاش لفترة طويلة في بعض الدول الإفريقية، أنه من خلال ملامسته الحركة الثقافية في هذه البلدان وجد هناك تنوعاً ثقافياً، نبع من التنوع البيئي الذي تتميز به القارة، وقد ظهر ذلك جلياً في كتابات أدبية متعددة في القصة والرواية والشعر وكثير منه وجد صدى عالمياً من خلال ترجمته إلى لغات متعددة وحصول بعض الأدباء على جوائز عالمية مثل جائزة نوبل.ويضيف: أهم ما يميز الأدب الإفريقي تأكيده قضية الهوية، ومواجهة العنصرية حتى إن كان بعض الكتاب لا ينتمون إلى البشرة السوداء، أمثال «ج. م. كويتزي» الكاتب الجنوب إفريقي الحاصل على جائزة نوبل في الأدب ففي روايته «في انتظار البرابرة» التي تناول فيها سطوة الرجل الأبيض الذي يحاول استئصال الثقافات المختلفة عنه، هي رواية مناهضة للعنصرية بامتياز، كذلك نرى معظم أعمال «نادين جورديمر» من جنوب إفريقيا والحاصلة على جائزة نوبل أيضاً نرى في روايتها «شعب يوليو» على سبيل المثال رصداً للأحداث التي عاشتها جنوب إفريقيا وما تعرض له السود من عنصرية فجة، وتمردهم على هذا الواقع المرير، كذلك نرى رصداً لهذا الواقع في روايات الأديب الصومالي نور الدين فرح الذي ولد عام 1945 ومنها رواية «ضلع أعوج» ورواية «خرائط» التي صدرت عام 1986 ويركز فرح على قضية المرأة وحقها في التحرر الفردي والسياسي أيضاً.

مشاركة :