الحزم السعودي في قضية التدخل بالشؤون الداخلية قضية محسومة في الفلسفة السياسية السعودية، ويزداد إثباتها عبر التاريخ، والرسالة واضحة، عليكم تقبلنا كما نحن وليس كما تريدون، وخاصة أن المملكة دولة تلتزم بالأنظمة والقوانين الدولية، ومؤمنة بكل ما يحكم العلاقات بين الدول.. العلاقات السعودية مع دول العالم - ومنذ إنشاء الدولة السعودية في بدايات القرن الماضي - تحكمها منهجية واضحة تقول بعدم التدخل في شؤون الآخرين، ومن يتبنى فلسفة تقوم على عدم التدخل بشؤون الآخرين فعلى الآخرين إدراك أن هذه الدولة ترفض أن يتدخل أحد في شؤونها، المملكة جزء من اتفاقيات متعددة في الأمم المتحدة وفي مجالات كثيرة، وتعتبر من أكثر الدول التي تلتزم بكل ما يصدر عن الأمم المتحدة من اتفاقيات ومعاهدات، وهذا يؤكد على أن المملكة في موقع مميز في عضويتها للمنظمة الدولية وفي دعمها لكل ما يساهم في تطوير وتحسين فاعلية النظام العالمي بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والإنسانية والثقافية. الرسالة الواضحة في مواقف المملكة المستمرة لمن يحاول أن يتدخل في شؤونها تكمن في فلسفة سياسية دقيقة تقوم على إيمان صادق بأن الدول لديها مساحات مفتوحة ومساحات مغلقة في شؤونها السياسية والاقتصادية والإنسانية والثقافية والاجتماعية، وقد كفلت الأنظمة الدولية ذلك، ولعل القرار «2131» الصادر عن الأمم المتحدة في منتصف العقد السادس من القرن الماضي يؤكد هذه الحقيقة، ولذلك فالإيمان السعودي بهذه الاستراتيجية ينطوي على معطيات دولية كفلتها الأنظمة الدولية. الواقعية السياسية ونظرياتها تحتم على الدول أن تتكيف مع المحيط السياسي، وأن تلتزم بمصالحها الاستراتيجية وفقاً لقواعد مهمة وخاصة في تعامل الدول ذات التأثير مع بعضها البعض، إذا اعتقدت الدول أن هناك قوة مطلقة لدولة محددة فإن هذا الاعتقاد سوف يواجه أزمة فهم الواقع الحقيقي للدول، كل دولة في هذا الكون لديها معايير ومعطيات لا تملكها الدول الأخرى، فما بالك بدول تمتلك مؤثرات اقتصادية وسياسية ودولية. بمعنى دقيق فإن التصرف السعودي مع كندا أو أي دولة تعتقد أنه يمكنها التأثير في الشأن الداخلي السعودي، يثبت أن المملكة لديها القدرة على التأثير في أي دولة في العالم من خلال مسارات متعددة، كونها ذات معطيات اقتصادية وسياسية وعقدية تمنحها هذا الحق، العلاقات الدولية لا يمكن النظر إليها كونها ذات طرف واحد يؤثر ولا يتأثر، وهذا ما قد يفوت على كثير من الدول، خاصة أن الدول يحكمها مسار تبادل المنافع في علاقاتها. التصرف الكندي لن يكون مقبولاً، خاصة أن المملكة دولة تمتلك أنظمة قضائية مستقلة، وهناك الكثير من المسارات الدبلوماسية التي يمكن من خلالها الاستفسار عن القضايا التي تحتاج إلى فهم من أي طرف دولي وفق معطيات تحكمها العلاقات الدولية، وليس الأفكار والاتجاهات الخاصة لكل دولة، ولو اتجه العالم في علاقاته الثنائية إلى هذ الأسلوب الفوضوي بأن تعمد الدول إلى ممارسة تدخلها بطرق غير قانونية، فإن النتيجة سوف تكون أكثر قسوة، ولن يستجيب أي طرف للآخر، بل قد تنشأ الصراعات والحروب بشتى أنواعها سواء حروباً فعلية أو غيرها من الحروب الاقتصاية أو السياسية. الحزم السعودي في قضية التدخل بالشؤون الداخلية قضية محسومة في الفلسفة السياسية السعودية، ويزداد إثباتها عبر التاريخ، والرسالة واضحة، عليكم تقبلنا كما نحن وليس كما تريدون، خاصة أن المملكة دولة تلتزم بالأنظمة والقوانين الدولية ومؤمنة بكل ما يحكم العلاقات بين الدول، ودولة مكتملة العناصر والأركان، ومستقرة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وفاعلة دولياً في الاقتصاد والسياسة، ولها أبعاد عقدية يدركها الجميع كونها تحتضن أطهر البقاع الإسلامية. الدول تستطيع أن تؤثر ببعضها سلباً وإيجاباً، ولكن نفس الدول لن تسمح لبعضها بأن تكون مسرحاً لإملاءات الآخرين، والحق السعودي في الرد على من يتدخل في شؤونها يتم وفق الحق الدولي، ولذلك على دول العالم دون استثناء تقبل المملكة كما هي بأنظمتها والتزاماتها القانونية وعلاقاتها الاقتصادية والسياسية، وكل من يحاول أن يثير الأسئلة حول ردود الفعل التي تمت لابد وأن يستعيد الأفكار والفهم لمعنى السيادة للدول. عبر التجربة الدولية فإن مثل هذه الحالات والاختلافات لا تستمر طويلاً؛ لأن الكثير من الدول التي تحاول التدخل في شؤون بعضها البعض تدرك سريعاً أنها مارست الكثير من الأخطاء، لأن الدول تكتشف أنه عليها أن تقدر أنه يمكن للآخرين أن يمارسوا عليها ما تحاول أن تمارسه عليهم. المملكة دولة تمارس حقها في ترسيخ سيادتها مع أي دولة كانت، ومهما كانت قوتها، ومع ذلك فهي لا تغلق الأبواب عن رغبة الآخرين في تصحيح أخطائهم، فالمملكة هكذا هو تكوينها السياسي، وهكذا تعامل معها العالم ومنظماته، مثلها مثل أي دولة في العالم، وهذه هي الحقيقة التي يجب أن نقولها: «نحن كما نحن وليس كما تريدون، وخاصة عندما يتعلق الأمر بشأن داخلي».
مشاركة :