المفكر البريطاني «توني بين» ومواقفه التحذيرية من عواقب غزو العراق | أ.د. عاصم حمدان

  • 12/23/2014
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

* لم يستطع الإعلام العربي أن يلقي الضوء على الشخصيات الفكرية والسياسية الغربية التي وقفت مع العرب في قضيتهم الأهم، أعني القضية الفلسطينية، بينما في المقابل استطاع الإعلام الصهيوني اختراق المؤسسات الغربية، وتكوين جماعات موالية له، ومن أبرز الشخصيات التي ساندت القضايا العربية في الشارع البريطاني كانت شخصية المفكر والسياسي الراحل توني بين "Tony-Benn"..م 1925-2014. * وسوف أعرض هنا لأهم مواقف "بين" المتّسمة بالصراحة، والشجاعة، والابتعاد عن السائد في سياسة بلاده، بحيث يسجل له الانضمام مبكرًا، وذلك في الخمسينيات الميلادية، إلى المنظمة التي يرمز لها عادة في أدبيات السياسة البريطانية بـ(C.N.D) والتي كانت تقف ضد التسليح النووي، وتبيان مخاطره على السلم الاجتماعي الدولي. * وفي عام 1960م تقدم إلى المحكمة لخلع لقب "لورد" الذي ورثه عن والده مقدمًا عليه الجلوس في مقاعد مجلس العموم ليمثل دائرته الانتخابية؛ لينقل هموم الطبقات الكادحة، ومدافعًا عن حقوقها. * وكان "بين" من أبرز المتحدثين المحترفين على الإطلاق، بحيث جعله محرر الكتاب الذي حمل عنوان (الأفضل في سيرة بين)، أعني الصحافي والكاتب الإنجليزي Ruth-Winstone، وقد صدر الكتاب عن دار Hutchinson في 244 صفحة. * لقد جعل "ونستون" "بين" في صف كبار المتحدثين البارعين من أمثال لويد جورج George، و:ف.إي.سمث. * ويذكر المحرر أن "بين" كان منذ 1963م في مقدمة المشككين في جدوى انضمام بريطانيا للسوق الأوروبية المشتركة، وهو الموضوع الذي يعتبر بعد نصف قرن من الزمن من أكثر الموضوعات حضورًا في الانتخابات البريطانية المقبلة، كما حذّر المفكر "بين" من تدخل الأجهزة الأمنية -في بريطانيا- في الفضاء السياسي الذي يفترض أن يكون حرًّا، ولهذا اتّخذ موقفًا شجاعًا في عام 1987م عندما قررت "مارجريت تاتشر - رئيسة الوزراء آنذاك" حجب كتاب العميل السابق للمخابرات البريطانية بيتر رايت Peter-Wright، والموسوم "صائد الجواسيس"، حيث كان "بين" من الشجاعة بحيث ذهب إلى حديقة "هايد بارك"الشهيرة في لندن، وتحدث إلى الصحافيين والإعلاميين عن بعض مضامين الكتاب الذي وضع قرار منع دخوله الأراضي البريطانية علامة استفهام كبيرة حول حقيقة الديموقراطية الغربية، وكان "بين" ضد التدخل الإنجليزي العسكري في جزيرة الفوكلاندز، كما وقف بصرامة ضد التدخل العسكري في البلد العربي "العراق". * ولقد كتب "بين" في 2004م وقبل عدة أشهر من الغزو الأمريكي-البريطاني، حيث أشار بأنه إلى جانب موقفه المبدئي والأخلاقي من شن الحروب، فإن عواقب هذا التدخل سوف تكون سيئة، ليس على منطقة الشرق الأوسط -وحدها- بل سوف يمتد تأثيرها إلى مناطق أخرى، وكان من الوضوح بحيث أشار في كلمته التحذيرية تلك بأن ذلك الغزو سوف يشعل كامل المنطقة، ويدخلها في نفق مظلم، ولكن الثنائي بوش الابن وتوني بلير كانا مدفوعين بأيدلوجية ما عرف باسم "المحافظون الجدد" في أمريكا، و"العمال الجدد" في بريطانيا، ويمكن القول أن "بين" الذي رحل بداية هذا العام الميلادي الذي يوشك على الانصرام لم يشهد ما تفعله الحركات الإرهابية والمتطرّفة في المنطقة، ولكن كلماته المحذرة والمنطلقة من حس سياسي وفكري متمرس دفعت المتعاطفين مع أفكاره والمناوئين لها إلى الإشادة به مفكرًا، ومنظرًا، وسياسيًّا، وإنسانًا يحمل بين جنبات نفسه ضميرًا حيًّا وصادقًا. وعلى صحافتنا العربية أن تخرج من دائرتها الضيقة إلى دائرة أكثر شمولاً واتِّساعًا، وخصوصًا لجهة متابعة مواقف وسير الشخصيات التي وقفت مع القضايا المصيرية للأمتين العربية والإسلامية.

مشاركة :