لم ترحم صحيفة "تقويم" التركية في تقرير لها حكومة تنظيم الحمدين وهي تنتقد ما وصفته بنكران الجميل نحو ما تواجهه أنقره متسائلة "أي نوع من الصداقة هذا؟!". وإذا كان الجميع يعرف ما وصلت له حكومة الرئيس أردوغان إلا أنه كان على الصحيفة أن تدرك أن حكومة الدوحة ربما تهمس بالمثل الدارج "لا تشكي لي أبكي لك". إحباط هائل: وإذا كانت الصحيفة التركية تؤكد أن حالة من الإحباط الهائل يسود في أروقة الحكومة التركية الجديدة التي انتخبت مؤخراً وجددت لنسخة جديدة من "أردوغان" بصلاحيات "سوبر سلطان" إن صح التعبير إلا أن الحال يتهاوى والليرة تحتضر ومع ذلك لم يكن من حق الصحيفة أن تتهم حكومة الحمدين بالتقصير فالأخيرة هي أيضاً ليست بأحسن حالاً ويكفي أن نقول شر البلية ما يضحك فآخر إنجازاتها منع حجاج قطر من أداء الركن الخامس من أركان الإسلام! فيما تواجه إشكاليات لا حصر لها سياسياً واقتصادياً على وجه الخصوص لأسباب من أهمها دعمها “الإرهاب” وتدخلها في شؤون الدول الأخرى. وهنا يمكن أن نقول للأتراك إن دولة غدرت بأشقائها فماذا ينتظر منها نحو آخرين؟!. ورقة مساومة: على كل فيبدو أن الصياح التركي المتكئ على أن تركيا دعمت حكومة تنظيم الحمدين وأرسلت جنوداً لها تفكر أو ربما بدأت تسحب جنودها وسواء حدث ذلك أو تأخر أو كان ورقة مساومة إلا أنه يكشف حقيقة "وقفة المصالح" التي ظهرت بوضوح خلال اليومين الماضيين، فلم يكن موقف السلطان نخوة "مضرية" ولا فزعة " إخوانية" ولا تحت أي موقف شهم، فالموقف التركي الآن يطالب برد ما أسماه بالجميل.. ومن هنا يأتي وصول أمير قطر إلى أنقره في محاولة لردم الهوة أو "تبرير" للوصول لحل "يرحم" الحال ووفق "الممكن" فالحال واحد و "يا قلب لا تحزن". العملة التركية التي قصمت ظهر العنجهية السياسية بتهاويها المريع فقدت أكثر من 40% من قيمتها وهذه نسبة توصف بأنها متفائلة ومتحرزة فالوضع أسوأ مما يعلن عنه. كما أن العقوبات الأمريكية التي جاءت بعد صبر طويل على البروتوكلات العقيمة ضاعفت جراح الليرة فتردت أكثر. نهج استبدادي: ضمن قراءات عديدة للموقف التركي وما آل إليه حال "الليرة" يقول تقرير لصحيفة نيويورك تايمز إن الأزمة الاقتصادية التي تشهدها تركيا تمثل اختبارا لنهج رئيسها رجب طيب أردوغان. وأوضحت الصحيفة في تقرير لها على موقعها الإلكتروني، أن أردوغان طالما أوضح أنه لا يرى أن أي جزء من الحياة التركية بعيد عن متناوله، ناهيك عن الاقتصاد. فحتى قبل إعادة انتخابه بصلاحيات أشبه بالسلطان في يونيو الماضي، بنى شعبيته على النمو الاقتصادي المستدام من خلال مشروعات ضخمة، إلا أن المعارضين طالما حذروا أن هذا القدر الكبير من التوسع مبنى على المحسوبية والفساد وعلى حساب الميزانية. مضيفة: "مشكلات تركيا الاقتصادية أغلبها من صنع أردوغان، وليس لها صلة كبيرة بنزاعه مع الولايات المتحدة واحتمال فرض المزيد من العقوبات بقدر ما هو مرتبط بتدخل أردوغان العميق في شئون الاقتصاد، وهو يحاول تغيير منطق السياسة النقدية والأسواق المالية العالمية لتناسب أغراضه السياسية". تفكيك قيود أردوغان: وتؤكد الصحيفة أنه برغم أن أردوغان يفرض سيطرة أكبر على الحياة في تركيا فيما ذلك الإعلام والقضاء والسياسة الخارجية وصناعات القرار السياسي، إلا أنه من غير الواضح أنه يستطيع السيطرة على الاقتصاد بشكل متزايد ويخضع الأسواق العالمية لإرادته"، مشيرة إلى تحذير من وصفتهم بقادة الأعمال من أن المسارات العديدة لنهج أردوغان الاستبدادي متشابكة وأن تركيا لن تخرج من مأزقها ما لم تقوم بإصلاحات هيكلية كبرى تقضى على العديد من قيود أردوغان. حفرة السيد أردوغان: من جهتها قالت الغارديان في عنوان ورسالة لافتة إلى أردوغان: "عندما تكون في حفرة فمن الأفضل التوقف عن الحفر، يا سيد أردوغان". هذا فيما يرى المراقبون أن كل الإجراءات التي اتخذت حتى الآن لم تستطع حلحلة الأزمة وعجز البنك المركزي التركي عن أي دعم ملموس لدعم السيولة المصرفية في ظل إصرار أردوغان على استمرار موقف المتحدي وهو تحد بمثابة الغطرسة بعدما أثبتت سياساته أنها لم تنجح سوى في تحقيق خسارات سريعة على مستوى الأصدقاء والحلفاء الحقيقيين. المرض يستفحل: الصحيفة انتقدت أكثر السلطان بقولها: " أردوغان صرف سنوات طويلة مقدما الاهتمام بتعزيز شعبيته على حساب الاستقرار الاقتصادي، وأن عليه الآن أن يقر بالاضطراب الذي كان هو وراء خلقه،". الاقتصاد التركي يزداد "مرضا" فتركيا تعاني من عجز في ميزان تجارتها الخارجية، فوارداتها أكثر من صادراتها، ما يعني أنها تنفق أكثر مما تكسب. والعجز يجب أن يُمول إما من استثمارات أجنبية أو بالاستدانة. العجز لدى تركيا أصبح كبيراً جداً فقد بلغ 5.5% من الدخل القومي أو من إجمالي الناتج المحلي العام الماضي. خلاصة القول أن تركيا لا تواجه أزمة اقتصادية بقدر ما تعاني من قرارات سلطانها التعسفية والتي تواصل الحفر في حفرة أكبر ورافضة التخلي عن سياسات تزيد من حجم مشكلاتها وعلاقاتها الدولية. قطر.. "تنشد عن الحال": أما قطر فحكومة تنظيم الحمدين التي تنتظر منها أنقرة العون والمساندة ورد الجميل فالحال يجسده الصمت القطري عن المشكلة التركية حتى اشتعل التصعيد الإعلامي التركي لتطل محاولات التهدئة ثم ليعلن عن زيارة أمير قطر إلى أنقرة فيما وصف بالمباحثات المشتركة. والحقيقة أن قطر ليست ببعيدة عما تسببت فيه السياسات التركية، فهي في عزلة بعد قطع السعودية والإمارات والبحرين ومصر العلاقة معها منذ يونيو 2017م بسبب سياسات دعم الإرهاب والغدر بالأشقاء وخيانة الأصدقاء والتي أوصلتها إلى حالها اليوم. قطر التي جرّتها حكومة تنظيم الحمدين من الحضن الخليجي إلى الحظيرة الإيرانية وبلغت بها المكابرة لرفض كل الحلول والشروط لشقيقاتها الأربع أوصلها ذلك ويوما بعد يوم للتردي في مجالات عديدة وعزلة دولية متزايدة. عزلة أكبر: وبرغم ما تقوم به حكومة الحمدين من محاولة "شراء كل ما هو قابل للشراء" إلا أن الحقائق تظهر في النهاية فالاقتصاد القطري يتهاوي والعزلة الدولية تزداد والشعب يعاني سياسات حمقاء ليس أقلها منعهم من أداء فريضة الحج. قطر لن تستطيع دعم أنقرة سوى بالمال وما تبقى مما يمكن الدعم به كما أن الغطرسة التركية مستمرة في "لي ذراع" حكومة الحمدين التي سترضخ ماليا وسؤال الخبراء إلى متى ستصمد؟. انهيارات متتالية: وعلى سبيل المثال تؤكد التقارير الدولية الرصينة تراجع الاحتياطات الدولية والسيولة الأجنبية لدى بنك قطر المركزي بنسبة 13.7% خلال العام 2017، مقارنة بالعام السابق له. فيما هوت أسهم بنك قطر الأول المدرج في بورصة الدوحة، كما تتحدث التقارير عن إغلاق أكثر من 400 شركة نشاطها التجاري في قطر مع بداية العام، وترجيح لسحب تنظيم كاس العالم 2022 منها بعد ثبوث شبهات رشوة وراء فوزها بالاستضافة. كما طالت الخسائر الفادحة الخطوط القطرية وقطاعي السياحة والاتصالات وهو ما منحها تصنيفا ائتمانيا هزيلا لدى وكالة ستاندرد آند بورز فيما يخص النظر المستقبلية بشكل عام. ما يجمع الدوحة وأنقرة هو عنجيهة وحماقة القرارات السياسية وبالتالي فإن النتائج الصعبة والمؤلمة ستنال شعوبها أولاً وهو أمر يؤكد التاريخ نهاياته المأساوية.
مشاركة :