قبل الدخول في استكمال تفاصيل مؤتمر كولون، من المهم ان نقدم لوحة سوسيو ثقافية وسوسيو ديمغرافية لتركيبة المؤتمر، وما تمثله في نسيجه من اعراق وشعوب في بنية المجتمع الايراني بكل اتساع تلك الجغرافيا وتنوعها التاريخي. من حيث النسبة والتناسب فإن العرق الفارسي وحده هو اكثر الاعراق كثافة فهو يشكل ما بين 30 - 35% من نسبة سكان ايران، ولكننا نجده أقلية ازاء أغلبية عرقية متنوعة تشكل نسبة 65 - 70% من موزاييك السكان الديمغرافي، لذا شكل مؤتمر كولون بالمعنى الفعلي والرمزي اجتماعًا تاريخيًا لغالبية سكانية ترى نفسها موحدة كقوى قومية ديمقراطية على أسس ورؤى جديدة ومشتركة، كان فضاء مؤتمر كولون الثاني تعبيرًا حيًا لهذا الائتلاف الديمقراطي التعددي. ووفق احصائيات غير رسمية، ترى المعارضة بأن الاتراك الاذريين يشكلون 35%، والاكراد 9%، والعرب الاهوازيين 7%، والبلوش 5%، واللور البختيارية 3%، الغيلكيين والمازندرانيين والطالش كلهم أقل من 3%، وباقي الاثنيات الصغيرة كثيرة ومتنوعة تصل الى حوالي %5. وقد أعلن مؤتمر كولون رؤيته الاستراتيجية والتكتيكية، موضحًا عن أن اسقاط النظام سيتم عن طريق انتهاج نضال سلمي بهدف إرساء نظام حكم ديمقراطي فيدرالي ويتم توزيع السلطات السياسية والمصادر الاقتصادية بين مختلف الشعوب في ايران. وتخلل المؤتمر حوارًا رفاقيًا بناءً ووديًا تمخض عنه، توافقات مبدأية على اهمية وضرورة «توسيع المجلس» بدعوة احزاب وقوى وشخصيات جديدة، قياسًا بالمؤتمر التاسيسي الاول، الذي فضل المؤتمرين فيه أن يبقى بعيدًا عن دائرة الاضواء، غير ان هذا الموتمر حظي لاول مرة بصدى واسع في وسائل إعلام المعارضة الايرانية الناطقة بالفارسية في الخارج وغيرها من وسائل عربية واجنبية. وعالج مؤتمر كولون الآليات ومسألة التحالفات من أجل إيجاد البديل الديمقراطي وكيفية توحيد قوى المعارضة واستثمار وتوظيف الفرص التاريخية للشعوب الايرانية. وبالرغم من الظروف المعقدة والقسوة والرقابة الامنية، فإن ذلك لم يمنع المعارض حشمت الله طبرزدي امين عام الجبهة الديمقراطية الايرانية ان يشارك من داخل ايران في المؤتمر، ويعتبر طبرزدي سجينا ومعارضا سياسيا بارزا لسنوات نتيجة آرائه ونشاطاته السياسية الشجاعة، وقد تحمل المخاطر ليرسل كلمة مسجلة من منزله في طهران موجهة للمؤتمر. وتلخصت كلمته بالدعوة الى الاتحاد حول هدف التغيير الشامل في البلاد ودعم الاحتجاجات الشعبية، وإنهاء حقبة الاستبداد الديني وأقامة نظام حكم فيدرالي تعددي ديمقراطي علماني. كما ساهمت شخصيات مستقلة وممثلو الاحزاب بفاعلية نشطة تمحورت جلها في محاور مشتركة حول ضرورة توحيد المعارضة، ودعم الاحتجاجات في الداخل وضرورة إشراك كافة فئات المجتمع في الانتفاضة الشعبية، وباهمية كسب التعاطف الدولي للحراك الايراني الجماهيري ضد نظام ولاية الفقيه. وقد ناشد مؤتمر كولون التاريخي في بيانه الختامي، الدول الغربية والعالم بمحاسبة النظام الايراني لمواصلته دعم الارهاب والتدخل في دول المنطقة، خاصة بتمويل وتسليح الميليشيات والجماعات الطائفية في اليمن وسوريا والعراق ولبنان على حساب تدهور الاوضاع المعيشية للمواطنين الايرانيين، كما حث البيان على تصنيف الحرس الثوري كمنظمة ارهابية. لقد وضع مؤتمر كولون كشريك وطني اساسي مع مؤتمر باريس، حجر الاساس للتقارب الأمثل لبناء معارضة واسعة وقوية وموحدة على اساس من الاحترام المتبادل من اجل إسقاط نظام الملالي. إن تفتت المعارضة وخلافاتها الجانبية، على حساب المبادئ الاساسية والاهداف الرئيسية، إلا وهو وحدة المعارضة من أجل معركة مصيرية حول ضرورة إسقاط النظام وتغييره نحو البديل الديمقراطي، وإخراج الشعوب الايرانية من نفقها المظلم الطويل، كل ذلك التباعد والاختلاف حد الانكفاء بين أطراف المعارضة، يساهم بالضرورة في ديمومة بقاء النظام الظلامي لعقود أخرى قادمة. وعلى مؤتمر كولون وباريس أن يتحول إلى مشروع وطني واسع للمعارضة، بتذويب الخلافات وتجميدها، وذلك لن يحدث بدون معارضة إيرانية قوية وموحدة، من أجل إزالة العقبة الكأداء وهو النظام الاستبدادي في ايران.
مشاركة :