رغم أهمية مؤتمر كولون السياسي والتاريخي للشعوب الايرانية، فإن التغطية الإعلامية وحجم الحضور من الضيوف، لم يكن بحجم مؤتمر باريس السنوي، حيث الفضاء الإعلامي كان واسعاً والتحضيرات كبيرة ومهمة. ومع علمنا ان للمؤتمرين قيمة سياسية متكاملة ومنسجمة إزاء الشأن الايراني في مرحلته الدقيقة الحساسية، فهما مؤتمران يشكلان ويصبان في بوتقة وطنية واحدة وهدف واحد وشعار متقارب واحد الى جانب اهداف ورؤى مشتركة إلى حد ما تتركز في بؤرة محورية هو ضرورة اسقاط نظام الملالي ورحيله من السلطة السوداء القمعية، والتي ادخلت ايران في نفق التخلف والظلامية والارهاب والنزعات التوسعية في شؤون بلدان المنطقة وعسكرة كل اقتصاديات البلاد لصالح ماكينة الامن والمليشيات والحرس الثوري وزبانيته. المسافة الزمنية وتواريخها لم تكن تفصل بين المؤتمرين إلا مدة اسبوعيين، ففي الوقت الذي عقد مؤتمر باريس في 30 يونيو وعلى مدار ثلاثة ايام فإن مؤتمر كولون الثاني، عقد جلساته الثلاث المكثفة على مدار يومين من تاريخ 14 و15 يوليو عام 2018، وقد تمخضت بنتائج وتوصيات وقرارات تاريخية برنامجية بين كافة القوى الائتلافية الايرانية للشعوب غير الفارسية، دون أن يكون هناك خط عازل لمشاركة قوى سياسية فارسية ايضا، يهمها مناقشة ومعالجة المسألة الايرانية في صيرورتها التاريخية المعقدة والمهمة. وشكل الائتلاف في مؤتمره السنوي الثاني «لمجلس القوى الديمقراطية الايرانية» قفزة نوعية من حيث الاجندة السياسية ومحاورها، التي توقف عندها المؤتمر الثاني في ظل تحالف واسع بين القوى الوطنية بكل اعراقها ومللها، حيث ساهمت فسيفساء اللوحة الديمغرافية الايرانية كممثل لذلك الموزاييك العرقي، في أهم تحدٍ تاريخي لسلطات الملالي تحت شعار مميز ومركزي: «البديل الديمقراطي بعد -عقب- إسقاط نظام ولاية الفقيه في ايران». هذا اللقاء التاريخي كان له صداه وانعكاساته على المجتمع المحلي من حيث الاتساع الجغرافي، واهتمام المجتمع الدولي بدلالاته واهميته، خاصة وأنه ينعقد في اجواء عالمية، وأوضاع دولية تدعو الى ضرورة معاقبة وعزلة وتغيير النظام الايراني العدواني، نتيجة تدخله الفظ في شؤون وسيادة البلدان دون أي رادع يردعه، متمادياً إلى أقصى سلوكيات الصلافة الدبلوماسية بتحويل سفاراته الى مجرد أوكار للجاسوسية ولكافة وسائل التخريب باستعمال الاغواءات المالية. ومن الجدير بالذكر، أن المؤتمر الاول (التأسيسي) قد عقد في العام السابق وفي مدينة كولون ايضا بتاريخ 18 نوفمبر1917، حيث كان الهدف الاساسي من عقده توحيد جهود كافة تيارات المعارضة الديمقراطية والعلمانية وأحزاب القوميات الاخرى من أجل تشكيل جبهة واسعة للمعارضة تسعى لاسقاط نظام الاستبداد الديني والقومي الحاكم في ايران. فاذا ما كان المؤتمر التأسيسي وضع لبنة الانطلاق والتحضير والعمل الجبهوي الائتلافي بين شتى الفصائل والقوى، فإن المؤتمر الثاني جاء ليؤكد على ضرورة تعميق وتنسيق حراك هذا الائتلاف، والأخذ بيده نحو آفاق أرحب في ظل ظروف ايران الجديدة وتحدياتها المعقدة الداخلية والخارجية، ظروف انتفاضة ديسمبر 2017، حيث تنطلق المدن والشوارع في كافة ايران لتعبر عن حراك متنوع يشمل كافة اطياف الشعب الايراني المتعدد الأعراق والقوميات وهي تنادي بضرورة تغيير النظام الاستبدادي والجاثم على أعناق الشعب ما يقرب من اربعة عقود. وتميز هذا المؤتمر بالمشاركة الواسعة من القوى الديمقراطية الفارسية وغير الفارسية، حيث شاركت (الجبهة الديمقراطية الايرانية) كونها تمثل القومية الفارسية إلى جانب أحزاب ومنظمات غير فارسية كحزب كوملة كردستان ايران، وحزب التضامن الديمقراطي الاهوازي، والمركز الثقافي السياسي الاذربيجاني والحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الشعب البلوشي والمركز الثقافي السياسي التركماني والجبهة المتحدة لبلوشستان وحزب اتحاد البختيارية ولورستان، بالاضافة الى مساهمة عدد من نقابات العمال ونشطاء المجتمع المدني والشخصيات السياسية المستقلة من مشارب ايران كلها. وبذلك كان اوركسترا مؤتمر باريس، لا يختلف جوهريا في عزفه عن اوركسترا مؤتمر كولون التاريخي، فكلاهما كانا يعزفان من أجل حرية ايران وبديلها الديمقراطي وخيارها المستقبلي الجديد.
مشاركة :