منذ اللحظة الأولى، فيلم «هروب اضطراري» أشبه بطلقة رصاص اندفعت لتحاول إصابة أي شعور محتمل بالملل والرتابة في مقتل وتضع المتفرج في أجواء مفعمة بالإثارة، حتى إذا ما نزلت عناوين النهاية وقلّبت الإطار المعدني الفارغ لتلك الرصاصة بين أناملك وجدت أنها تحمل عبارة: صُنع بالولايات المتحدة! لم يصبر المخرج أحمد خالد موسى حتى تنتهي عناوين البداية بل بدأ معركة التشويق فوراً على وقع موسيقى حماسية تشبه دق طبول الحرب لم تفارق معظم الأحداث حتى في المواقف التي تتطلب التقاط الأنفاس. رجل في منتصف العمر له لحية مشذبة أنيقة سنعرف لاحقاً أنه أدهم (أحمد السقا)، يقود دراجته النارية بسرعة جنونية ثم فجأة تلقي قوات الشرطة القبض عليه بينما هو يصرخ بأي ذنب يتم اعتقاله. الأمر نفسه يتكرر مع مصطفى (أمير كرارة) وندى (غادة عادل) ويوسف (مصطفى خاطر). ومثلما يتم إلقاء القبض عليهم لأسباب غير مفهومة، نجدهم ينجحون في الهرب على نحو يخلو من المنطق، ليبدأ فاصل طويل من المطاردات بين الرباعي الغامض والشرطة. وأخيراً. أخيراً فقط يبدأ السيناريو الذي كتبه محمد سيد بشير في التكرّم على المتلقي ومنحه بعض الإجابات، فنعرف أن تهمتهم هي قتل رجل أعمال شاب وأنهم هربوا من قسم البوليس بسبب فساد شرطي يحمل رتبة أدنى من ضابط، نظير رشوة كبيرة تكفل بها أدهم الذي يعد أكثر أفراد الرباعي ثراء على رغم أنه ورث عن والده المليونير تركة مثقلة بالديون. حذو النعل بالنعل يقال فلان أتعب من سيأتي بعده، بمعنى أنه لم يترك له شيئًا ذا بال ليضيفه في هذا المجال أو ذاك. التعبير ذاته يمكن اللجوء إليه في وصف فيلم «هروب اضطراري» فقد أتعب صناعه بالفعل من سيأتون بعدهم ولكن في نقطة محددة للغاية تتمثل في تقليد سينما الأكشن الأميركية بشكل أعمى، فلم يترك هذا العمل شاردة ولا واردة من المفردات التي تلجأ إليها هوليوود عند صناعة فيلم من هذا النوع إلا وجاء بها، حذو النعل بالنعل كما يفيدنا قول منطقي نجده ملائماً هنا. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يركز الملصق الدعائي للفيلم وعلى نحو غير مفهوم، على السترات الجلدية السوداء للشخصيات الرئيسة مع السلاسل المعدنية الضخمة التي تتدلى من أعناقهم ما يوحي وكأننا إزاء عصابة أو مجموعة من المجرمين أو على الأقل البلطجية، في حين أن هذا يناقض طبيعة «أبطال» الفيلم الذين يميلون إلى الهدوء بل هم ضحايا قاتل ذي نفوذ أراد أن يورطهم في جريمة قتل. الأمر ذاته ينطبق على حكاية الدراجات النارية ذات المواصفات الفاخرة والتي يقتنيها بعض الأثرياء من المصريين للقيام برحلات خلوية على الطرق السريعة الممهدة، والتي لعبت دوراً أساسياً في المطاردات في حين أنها لا تتناسب وطبيعة الطرق والدروب داخل العاصمة المصرية نفسها حيث الزحام الرهيب في البشر والمركبات المكدسة. الحبكة نفسها القائمة على تجمّع عدد من الأشخاص يجدون أنفسهم في ورطة وعليهم تجاوز حالة الشك المتبادل، والذي يصل أحياناً إلى حد السلوك العدواني، والتفكير بهدوء ومد جسور الثقة في ما بينهم للخروج من المأزق المفاجئ الذي وجدوا أنفسهم فيه، هي حبكة هوليوودية بامتياز باتت مألوفة للمتفرج من فرط ما شاهد تجلياتها في أفلام أميركية عديدة. والحق أن المتابع لنمط أداء رجال الشرطة في مصر، يعلم تماماً أن ضابط المباحث عصام بك (فتحي عبدالوهاب) الذي يضحك طوال الوقت بشكل هستيري ساخراً من كل شيء ولا يكف عن التهام السندوتشات السريعة الجاهزة بتلذذ صبياني أثناء استجواب المتهمين، هو نموذج لا يوجد إلا في هوليوود التي تعد هنا جهاز شحن فعال لمد خيال المؤلف بالأفكار وملامح الشخصيات بل وخلق «موتيفات» أو «لازمات» ملاصقة لها. صناعة محلية بالتأكيد! في المقابل، لعل الشيء الوحيد في هذا السياق الذي لم نشعر بأنه مستورد من بلاد «أنكل سام « هو فساد جهاز الشرطة عبر مستوياته الأدنى والرتب الصغيرة والمساعدين الهامشيين. فهؤلاء يمسكون بالعصب الإداري للجهاز الأمني ويتلقون رواتب هزيلة ما يرفع من حوافز فسادهم. وهذا ما تجلى بوضوح في مشهد دفاع مصطفى عن نفسه وهو يبرر لأدهم لماذا سطا على السلاح الشخصي لأحد أفراد الأمن في قوة البوليس التي كانت تلاحقهم، مؤكداً أنه فعل ذلك ليثأر لكرامته التي تعرضت للانتهاك كثيراً من «أمين شرطة» يسيء استخدام زيه الرسمي «الميري». هنا يلمس الفيلم بالتأكيد، وتراً حساساً وحقيقياً، فتحت مستوى الضباط هناك جيش من الأمناء والأفراد ممن يود بعضهم الإحساس بالنفوذ والسلطة والهيبة وتعويض شعورهم بالنقص لأنهم لم يتخرجوا في أكاديمية الشرطة ولم يصبحوا ضباطاً، فضلاً عن الإغراءات الشديدة التي تنفتح أمامهم في حالة موت الضمير وغياب الوازع الديني أو الأخلاقي. اللافت خارج هذا كله على أيّ حال، هو أننا قلما نجد هذا الجمع من النجوم يزدحم بهم شريط واحد في فيلم حركة مصري حتى أن قائمة ضيوف الشرف وممثلي المشهد الواحد تضم هي الأخرى أسماء بحجم محمود الجندي وباسم سمرة وبيومي فؤاد ومحمد فراج ودينا الشربيني، على نحو يذكرنا مجدداً بما شهدناه بأعمال أميركية مثل السلسلة التي أحدثت دوياً صاخباً the expandables التي يجتمع فيها سلفستر ستالوني مع جيت لي وجيسون ستثام وأرنولد شوارزينجر ودولف لندرجن بعدما اعتدنا على رؤية هؤلاء منفردين وكل منهم يجسد البطولة المطلقة في فيلم منفصل. ومثلما يمثل ستالوني صوت العقل في قيادة فريقه بهدوء وروية من دون استسهال اللجوء إلى العضلات والعنف، يفعل السقا هنا الشيء نفسه كقائد هادىء يكبح جماح العنف لدى مصطفى ولكن حين يجد الجدّ، يشتبك معه في مشاجرة عنوانها العضلات التي لا تخفيها ملابس خفيفة صيفاً أو شتاء!
مشاركة :