تحلب راعية الإبل ريشما جان، ذات الثماني والعشرين سنة، الحليب من ناقة تئن. رائحة الحليب قوية مثل الزبد ذي الرائحة النفّاذة. تحمل الفتاة علبتين مملوءتين بالحليب، وتتوجه إلى متجر لحليب الإبل وتبيعه لتحصل على 10 دولارات. تجري بسترة هذا الحليب لعمل منتجات كثيرة. وجدت ريشما - مثلها مثل كثيرات من راعيات الإبل في ولايتي راجستان وغوجارات الصحراويتين - أملاً بعد التمكن من بيع حليب الإبل تجارياً. كذلك تنشغل كريشنو ديفي التي ترتدي تنورة راجستان من اللونين الأحمر الزاهي والبرتقالي، وقميصاً نسائياً ووشاحاً، بجمع روث قطيعها المكون من 30 جملاً، لتجففه وتسويه جيداً وتغسله مرات كثيرة، قبل معالجته وخلطه بنسبة 30 في المائة ببواقي القطن، لتصنع منه في النهاية عجيناً يجري تحويله إلى ورق في مركز محلي.يقول ناثارام رايكا، مربّي جمال: «لقد حملت تجارة الحليب معها بصيصاً من نور الأمل لمجتمعنا، فقد بتنا نحقّق دخلاً أكبر من الحليب على نحو لم يكن لأحد أن يتصوره من قبل». لم يكن يشرب حليب الإبل سوى قليلين خارج دائرة رعاة الإبل؛ لكن هذا يتغير سريعاً الآن؛ حيث حقق حليب الإبل، والمثلجات والجبن والصابون ومواد التجميل والملابس المصنوعة منه، والأوراق المصنوعة من روث الجمال، رواجاً كبيراً، على الرّغم من ارتفاع أسعار تلك المنتجات، حيث بات الهنود يتناولونها من أجل صحتهم، ولما لها من فوائد صحية وطبية.بدأ حليب الإبل يكتسب أهمية ويحقق مكانة متميزة في الهند تدريجياً، فما اكتسبه من شهرة مؤخراً لا يقتصر نطاقه على عالم العقاقير الناجعة والأطعمة المفيدة فحسب؛ حيث تمتد شهرته إلى عالم الطهي، فرغم ما يحتوي عليه من ملح، يستخدمه مصنّعو الشيكولاتة والمعجنات في إعداد مكعباتها وأصناف الحلوى الغنية اللذيذة. كان الطّلب على منتجات حليب الإبل بمثابة عملية إعادة إحياء للسكان رقيقي الحال، والاقتصاد القائم على الجمال، من خلال الجمع بين المعرفة التقليدية والأبحاث الحديثة، وتكنولوجيا التصميم والإنتاج. وقد شهد عام 2000 بداية بذل جهود للترويج لحليب الإبل، عندما أصدرت المحكمة العليا في الهند حكماً لصالح إنتاج واستهلاك حليب الإبل. كذلك قدمت الهند مؤخراً أول منتج من حليب الإبل، بعد اعتراف الاتحاد الهندي بسلامة معاييره كغذاء، مما أتاح بيع منتجاته محليّاً وعالميّاً.وقد بدأت إقامة كثير من صناعات الجبن ببطء في راجستان وغوجارات؛ حيث تجري تعبئة حليب الإبل، وإضافة نكهة له كمسحوق، وفي المثلجات. كذلك بدأت ألواح من الشيكولاتة المصنوعة من حليب الإبل الناعمة الجافة قليلاً، تنتشر في متاجر التجزئة على الإنترنت، وبعض المتاجر القليلة في المدن الكبرى؛ حيث يشتريها الناس نظراً لمذاقها الفريد.على الجانب الآخر، يوضح أر إس سودي، رئيس اتحاد «أمول»، وهو من المجموعات الرائدة في مجال منتجات الألبان في الهند، أنّ المشروع التجريبي قد حقق نجاحاً كبيراً، قائلاً: «حليب الإبل أكثر ملوحة، وقد حولناه إلى مسحوق، وعدّلنا وصفة الشيكولاتة لتناسب ذوق المستهلك. النكهة معدنية قليلاً، لكنّ الناس أحبوا الفكرة».وظهر حليب الإبل في النّطاق العام للمرة الأولى في الهند من خلال برنامج تلفزيوني له شعبية، هو «هاي واي أون ماي بليت»، حيث تناول مقدموه حليب الإبل، وبعضاً من الجبن، والمثلجات المصنوعة منه، ليصابوا بالذهول من مذاقه المالح. تقول مايور شارما، وهي تتذكر تلك التجربة: «كان مذاقه قوياً للغاية، وله نكهة معدنية. من المؤكد أنّ مذاق حليب الإبل مكتسب».كذلك كان لمواقع التواصل الاجتماعي دور مهم في انتشار حليب الإبل، فقد أثارت نجمة تلفزيون الواقع كيم كاردشيان الفضول، حين نشرت صورة لكوب من حليب الإبل. وكانت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة، قد توقعت بالفعل في عام 2006 مستقبلاً واعداً لحليب الإبل؛ حيث جاء في مقال منشور على موقعها الإلكتروني: «يعدّ حليب الإبل مثل الشّراب اللذيذ بالنسبة لمحبيه. في الوقت الذي يتّسم فيه بأنّه أكثر ملوحة من الحليب البقري، يعد مفيداً جدا لك، فقد صنعته الطبيعة لمساعدة صغار الإبل على النمو في بيئات تُعتبر من البيئات الأكثر خشونة وقسوة في العالم، وهي الصحاري والسهوب. يساعد ذلك في تفسير سبب احتواء هذا الحليب على فيتامين (ج) بمقدار ثلاثة أمثال أكثر من ذلك الموجود في حليب الأبقار».وكان العلماء واختصاصيو التغذية والفنيون في المركز الوطني لأبحاث الإبل، في بيكانير، رائدين فيما يتعلق بجهود فحص حليب الإبل كصنف جديد ومفيد محتمل من أصناف الطعام. يقول نيتين باتيل، مدير المركز: «نحن نبذل جهوداً على مدى العشرة أعوام أو الـ15 عاما الماضية، من أجل النّظر في حليب الإبل كبديل. وقد جرى تقديم حليب الإبل حالياً للعامة». تقول لافنيت باترا، اختصاصية تغذية في «فورتيس لا فام» بدلهي: «حليب الإبل غني بالإنسولين الطبيعي، لذا يساعد في السيطرة على مرض السكري، إلى جانب أنه يزيد كفاءة جهاز المناعة، ويخفف اضطرابات المناعة الذاتية». وأضافت أن الأمر لا يزال قيد البحث العلمي.تشرب إليشا هاريسا، البالغة من العمر 45 سنة، حليب الإبل بانتظام، حيث تربي قبيلتها المالداري الإبل، وتتناول حليبه لقرون طويلة. إنّهم يشربون الشّاي بحليب الإبل، ويقدمونه مع الإفطار والغداء والعشاء. كذلك ينظرون إلى الحليب باعتباره علاجاً لكافة الأمراض، ويروون قصصاً عنه. وحسب اعتقادهم فإنّه يعالج كل المشكلات الصحية، مثل حرقة المعدة، والحمى، وأمراض الحمل. ويعتقدون أيضا بأنّه يساعد في السيطرة على السكري.وصلت منتجات حليب الإبل أيضاً إلى منصات التجارة الإلكترونية، مثل «أمازون»، و«سنابديل»، و«فليبكارت». وقد أسس هيتيش راثي، أحد أصحاب الأعمال الرائدة من بيكانير «أدفيك فودز» لبيع منتجات حليب الإبل من خلال الإنترنت أو بطرق أخرى، وهو يبيع حالياً أربعة منتجات من حليب الإبل، هي الصابون، والشيكولاتة، ومسحوق الحليب، والحليب الخالص من دون إضافات. يزداد الطلب على حليب الإبل من الولايات المتحدة الأميركية، ويلقى ترحاباً كبيراً في وحدات المعالجة في بيكانير وكوتش وسورات. ويبيع هيتيش، صاحب «أدفيك فودز أند برودكتس برايفت لمتيد» في بيكانير، ستة آلاف لتر من الحليب شهرياً عبر موقع «أمازون» في الولايات المتحدة. إنّ هذا الحليب هو الأعلى سعراً؛ لكن ما يزيد استهلاكه خلال السنوات الأخيرة هو قيمته الغذائية والعلاجية، إذ بات علاجاً معروفاً للتوحد، والسكري، وآلام المفاصل، والأمراض المتعلقة بالجهاز المناعي. بعد شراء الحليب الخالص بسعر يتراوح بين 200 و250 روبية للتر الواحد، تنفق وحدات المعالجة 150 روبية لتنقيته وترشيح الملوثات، حتى يصبح صالحاً للشرب. كذلك تجري معالجة الحليب لتحويله إلى مسحوق.يدير هانوانت سينغ راتور، الناشط في رعاية الحيوان، جمعية «لوكيت باشو بالاك سانستان» التي تستهدف دعم الناس الذين يعتمدون في معيشتهم على الماشية (الإبل). وقد وجدت الجمعية طرقاً مبتكرة لاستغلال الإبل، حيث دشّنوا دفاتر تدوين، وصحفاً، وروزنامات، وحافظات هواتف محمولة، وبطاقات تهنئة، وغيرها من الأدوات المكتبية المصنوعة من روث الإبل، إلى جانب إنتاج قبعات وأوشحة تُصنّع من خليط من صوف الإبل النّاعم والحرير. يقول راتور: «لدينا ساحة ضخمة بالقرب من راناكبور، حيث يُربّى قطيع مكون من 30 جملاً؛ لكنّنا نعمل مع أكثر من خمسة آلاف شخص في أنحاء راجستان، من أجل الحصول على الحليب وغيره من منتجات الإبل. ننتج في السّاحة الورق المصنّع من روث الإبل والصوف. لدينا نحو 12 درجة لون من الصوف تتدرج بين الأسود والبنّي الدّاكن، لتصل إلى الأبيض غير النّاصع. وتُستخدم الخيوط الأكثر خشونة في صناعة الحصير والسّجاد الثّقيل، في حين تُستخدم الخيوط الأرفع في نسج الأوشحة. تعمل الجمعية على تمكين النساء اللاتي يعشن في الصحراء، واللاتي تتسم حياتهن بالعزلة الشديدة في القرى النائية، وذلك من خلال إتاحة التجارب والتدريب، وتقديم خيارات معيشة جديدة لهن».ولا بدّ أن نذكر أنّه منذ نحو عامين، دعا راتور روبرت باجيت، صانع الجبن النمساوي، إلى تعليم رعاة الإبل فن عمل الجبن.
مشاركة :