حوكمة الشركات والملامح الجديدة «2 من 2»

  • 8/19/2018
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

في ظل تلك المتغيرات التي طرأت على حوكمة الشركات واتساع تطبيقاتها، يرى بعضهم أنها قد تعرقل عملية اتخاذ القرار، وقد تؤدي تلك الإجراءات إلى تباطؤ حركة العمل، الأمر الذي لا يناسب معظم الشركات في ظل حاجتها إلى المرونة وسرعة التحرك لمواكبة مستجدات الأسواق، ومن المؤكد أن مقاربة الحوكمة المعتمدة على المعاملات الإدارية فقط ليست الطريقة الأمثل لدفع مسيرة النمو، فهي ليست مجرد إجراءات روتينية فقط، بل عملية تقييم مستمر للتحديات الراهنة والمحتملة أمام الشركة. لقد بات المفهوم المعاصر للحوكمة مركزا على كونها عملية إشراف ورقابة على عمل الشركات مع تجنب عرقلة أو إبطاء عملياتها الإدارية والتشغيلية، وهنا يكمن الجانب المهم في تطوير ممارسات الحوكمة. ويجب أن نلفت الانتباه إلى جانب آخر إلى بعض النواحي الإيجابية لتلك الآثار، حيث قد يكون إبطاء العمل على مشروع ما نتيجة الإجراءات التي تفرضها الحوكمة عاملا إيجابيا، حيث قد يؤدي إلغاء ذلك المشروع أو تعديله إلى حماية الشركة من خسائر فادحة، ويأتي ذلك في ظل كون نسب كبيرة من الخسائر التي تكبدتها الشركات العالمية قد جاءت نتيجة دخولها في مشاريع خاسرة. وبدورها، برزت الاستدامة إلى الواجهة، حيث أظهرت الأزمة أن الشركات التي تتبع أسس حوكمة سليمة ستنجح في تحقيق استدامة عملياتها، فالتوجه بالتحول من مبدأ "اضرب واهرب" نحو استراتيجية أعمال مستدامة على المدى الطويل، الأمر الذي برز على الواجهة إثر الأزمة العالمية الراهنة. عادة ما ينظر إلى الشركات العائلية على أنها لا تتمتع بالشفافية المطلوبة، وهو مفهوم خاطئ، فقد لا تتمتع الشركات العائلية بالنسبة للأطراف الخارجية أو للسوق بشكل عام، لكنها تتميز بقدر عال من الشفافية أمام مالكيها، ألا وهم أفراد العائلة، أي أنها تبقى شفافة ضمن نطاق داخلي، وعادة ما تفضل عدم الإفصاح، فلا أحد يريد للعالم أن يعرف ما يدور داخل بيته. ومن جانب آخر، نرى أن قطاع الملكية الخاصة من أكثر المجالات تميزا بالشفافية، لكنها تبقى عادة ضمن نطاق داخلي بين المستثمرين ومديري الصناديق والشركات المستهدفة استثماريا، كما أن الأداء الجيد لقطاع الملكية الخاصة يعزى بشكل كبير إلى تطور آلية اختيار الفرص الاستثمارية وتوافر المعلومات والبيانات عنها إلى جانب الإدارة الجيدة التي توفرها صناديق الملكية الخاصة للشركات المستثمرة فيها. بشكل عام، لا نرى وجود معارضة في وجهة سياسة الشفافية والإفصاح في مجتمع المال والأعمال، لكن مصدر قلق بعضهم يكمن في التخوف من أن تتسبب الشفافية في كشف الأسرار التجارية والمالية للشركة أمام منافسيها، إذ غالبا ما يكون غياب الشفافية مصدره التنافس بين الشركات على كشف ما يجري لدى منافساتها. إن التطبيق الأمثل للحوكمة يمكن أن يسهم في منع نشوب أزمات مماثلة للأزمة العالمية الراهنة، لكن ذلك قد لا يحدث بالضرورة عند بروز نوع آخر من الأزمات التي قد تنشب في قطاعات وأسواق أخرى. وكان المشاركون في اجتماع حوكمة الشركات الذي نظمته كلية إنسياد أخيرا قد أجمعوا على أهمية تطبيق أسس حوكمة الشركات المتبعة عالميا بغض النظر عن خصوصية كل بلد، لكن مع الأخذ بعين الاعتبار أولويات دول المنطقة، وفي حال واجهت الحوكمة بعض العراقيل المتجسدة في التقاليد الإدارية والثقافية، أكدوا على ضرورة تغيير تلك الممارسات لفسح المجال أمام التطبيق الأمثل لحوكمة الشركات، لكنهم قالوا إن الحوكمة يجب ألا تأتي من خلال فرضها بشكل كامل عبر القوانين والتشريعات، بل من خلال عملية توعية وتثقيف في أوساط المال والأعمال الإقليمية. وهنا يجب أن نشيد بإدراك المشاركين العميق لحوكمة الشركات وممارساتها على نطاق المؤسسات والشركات المحلية والإقليمية، مع إجماعهم على ضرورة بذل مزيد من الجهود لتعزيز تطبيقاتها على نطاق أوسع مع اتباع الأسس العالمية، فحوكمة الشركات في هذا الجزء من العالم لم تصل إلى مرحلة النضج، لكنها تسير على الدرب الصحيح.

مشاركة :