أثار المشروع الفكري للفيلسوف المصري الدكتور حسن حنفي، جدلا موسعا من قبل المثقفين والباحثين، بداية من إشكاليات التجديد في الفكر العربي الحديث، مرورا بتمثل المجتمع التونسي كبيئة مناسبة لأفكار اليسار الإسلامي، منتهيا بتبني التراث بين الأصالة والتوظيف.فقد رأى عدد من الباحثين أن إشكالية المنهج عند "حنفي" تكمن في أنه يلجأ غالبا إلى اتباع سبيل "التوفيقية الزائفة"، التي تلوي عنق النصوص بغية تطويعها لفكرة ما قد تكون في جوهرها بعيدة كل البعد عن هذه النصوص.وفي هذا التقرير التقت "البوابة نيوز" بمجموعة من المثقفين للحديث عن المشروع الفكري للفيلسوف الدكتور حسن حنفي، على هامش أولى ندوات مركز أصوات الثقافي، الذي عقد تحت عنوان "المشروع الفكري للفيلسوف حسن حنفي" بمقر الصالون بالمهندسين، وشارك بها عدد من الباحثين المهتمين بمشروع "التراث والتجديد" من حيث أهميته وتناوله وتأثيره وفرص نجاحه والأسباب التي أدت لإخفاقه.ومن جانبه قال الكاتب والباحث حسام الحداد محاولا قراءة مشروع اليسار الإسلامي: إن انحياز حسن حنفي للجناح السلفي انحياز سطحي يمثل الاستجابة لمتطلبات سياسية ضاغطة، وان التأرجح البادي في مستويات الخطاب الديني لحسن حنفي لا يرتد إلى ذلك المنهج التوفيقي وفقط.. بل هناك عاملان آخران ساهما في بروز هذا الانحياز، وهما نجاح ثورة الشعب الايراني تحت قيادة علماء الدين فيما عرف بالثورة الاسلامية، مما جعل الكثير من المفكرين ومنهم حنفي يعيدون النظر في سلامة منطلقاتهم الفكرية ومن ثم يعيدون بناء منظوماتهم الفكرية، أما العامل الثاني هو حادث المنصة "اغتيال السادات" على أيدي تنظيم الجهاد والذي لاقى ارتياحا من بعض القوى الوطنية.وأضاف الحداد: إذا كانت "التوفيقية" تمثل البنية الفكرية العميقة في خطاب اليسار الإسلامي، فمن الطبيعي أن تخضع البنية السطحية لهذا الخطاب لميراث الواقع، فتميل في الستينات إلى جانب العلمانية التقدمية، وتميل من أواخر السبعينيات وحتى الآن إلى جانب السلفية.وأوضح الحداد، أن العائق الذي تنطوي عليه قراءة حنفي للتراث والذي فرضته أدواته المنهجية يتجلى في شكل أوضح في تبنيه استراتيجية التحول بالأبنية التراثية من دلالتها القديمة إلى دلالات أكثر توافقا مع العصر، بحيث تنكشف في الشعور، ومن دون تفكيك لتلك الدلالات القديمة نفسها وذلك بردها إلى السياق المعرفي والتاريخي الذي أنتجها فبدا وكأنه التجاور بين دلالتين أو أنه القفز من دلالة أقدم إلى أخرى أحدث دون تأسيس لأي منهما في جملة السياقات التي أنتجتها، بل في مجرد الشعور المنتج للدلالة.. ولعل ذلك هو مازق مشروع حسن حنفي.فيما رأى الحداد أن إشكالية المنهج عند حسن حنفي تكمن في أنه يلجأ غالبا إلى اتباع سبيل "التوفيقية الزائفة" التي تلوي عنق النصوص بغية تطويعها لفكرة ما قد تكون في جوهرها بعيدة كل البعد عن هذه النصوص. بينما قال الباحث بلال مؤمن: أدرك حسن حنفي صعوبة أن يُثمر خطاب ثقافي غربي في بيئة إسلامية بحكم الواقع والتاريخ، فهو يمثل لها في نهاية الأمر ثقافة المحتل الذي لم تفصل الجماهير عن فكرة الخروج من هيمنته الاستعمارية والاحتلال سوى سنوات قليلة بعد.وأضاف مؤمن، أن حنفي لجأ إلى إبداع طريقه الخاص، طريق يستخدم فيه ما يلقى قبول لدى الجماهير أعني "التراث الإسلامي" في تمرير أفكاره، يعيد قراءة التراث الإسلامي وفقا لآليات ومنهجيات فكرية غريبة كالمنهج الظاهري، فالتراث لديه يعد وسيلة وليس غاية، طريق وليس نقطة وصول، وقد فرضت منهجيته على عدة أمور منها الهروب من التصنيف الأيديولوجي: فهو يتقبل تصنيفات من قبيل "المفكر الإسلامي"، "الفيلسوف" ولا مانع عنده أن ينسب للماركسيين حين ينحاز إلى الفقراء، او إلى الليبرالين حين يدافع عن الحريات الشخصية، والتعددية السياسية، بالإضافة إلى اعتماد منهجية إثارة الاسئلة اكثر من تقديم الأجوبة، والانفتاح على كل التيارات الفكرية الحركية أو النظرية من لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية إلى الإخوان المسلمين في مصر.وتابع: أدى اعتماد حنفي لتلك المنهجية، إلى وقوف مشروعه في مساحة رمادية غائمة في الساحة الفكرية والثقافية، فلا هو بالإسلامي الخالص لاسيما حين يتم اصطياد بعض الكلمات له ليتم ترويجها، وهي حالات نادرة من هناته كقوله "القرآن مثل السوبرماركت يستطيع من يدخل إليه ان يحصل على ما يريد".وقال الباحث فؤاد السعيد، إن تأثير أفكار حسن حنفي امتد إلى عدد من المفكرين السياسيين، ولاسيما تيار اليسار الإسلامي في كل من إيران، وتونس، والسودان، فلو أخذنا راشد الغنوشي على سبيل المثال – وبغض النظر عن الملاحظات حول تراوحه بين الطريقة الأصولية في التفكير حينا، والطريقة المدنية الحديثة في التفكير حينا آخر، إلا انه وغيره من قادة حركة التجديد الإسلامي التي بدأت في الثمانينات في تونس، قد بدأوا بحالة من الشعور بعدم الارتياح تجاه جمود الافكار التاسيسية لحسن البنا وتلاميذه من قادة الاخوان المسلمين في مصر.وقال الدكتور هاني نسيرة، الباحث في الدراسات الاسلامية: إن المفكر حسن حنفي اهتم بالمحتوى الشعبوي والجماهيري لأفكاره دون أن يعمد إلى حصر نفسه في انساق معرفية وفكرية تتوجه بالخطاب إلى النخبة وحدها، وكان جسرا تلتقي عليه التيارات الفكرية المختلفة.وأضاف "نسيرة": الإسلاميون التقليديون انتبهوا مبكرا إلى حنفي بوصفه مفكر يقتحم ميدانهم الذي يعتبرونه ملكا لهم حصرا، لافتا إلى أن مرجعيات الإسلاميين الفكرية ضيقة جدا وهو ما أدى إلى جمودهم النظري والفكري، وإلى اختزال التراث فى مفهوم ضيق للغاية.وتابع: من ناحية أخرى، حسن حنفي كان معجبًا بحالة سيد قطب كثيرا، واعتبر نفسه امتدادا له بشكل آخر.
مشاركة :