دانييل وودز* لمن يعتقدون أن الصين تعاني مشاكل مالية أو اقتصادية، حري بهم النظر إلى مشاكل اليابان التي أعتبرها أكثر تعقيداً من الصين بمشاكلها الحالية. فعلى الرغم من النتائج الإيجابية نسبياً، والتي بدأ الاقتصاد الياباني في تحقيقها، خاصة بيانات الربع الثاني من العام الجاري، فإن الوضع العام لا يزال غامضا بعض الشيء. لا ننكر الدور الكبير الذي لعبته نظرية آبي الاقتصادية في انتشال الدولة من أزمة كبيرة كانت تمر بها، إلا أن وتيرة التحسن بطيئة نسبيا، ولا ترتقي إلى حل جميع المشاكل الموجودة.اطلعت مؤخراً على محاضرة لخبير ياباني في واشنطن، وكانت محاضرة شيقة ألقى فيها الضوء على المشاكل الكثيرة التي يعاني منها الاقتصاد الياباني، حيث أشار إلى أن هناك أولويات تتمثل في ضرورة أن تتمكن اليابان من استعادة النمو الاقتصادي بعد الأزمة التي طالت لأكثر من عقدين من الزمن، وهي الفترة التي ألمح إلى أنها تضمنت تراجع القدرة الشرائية وهبط فيها نصيب الفرد من الناتج الإجمالي المحلي إلى مستويات قياسية. وبالنظر إلى تراجع معدلات الإنتاجية وارتفاع حجم الديون الحكومية، والانخفاض السكاني وشيخوخة الطبقة العاملة، فإن الاقتصاد الياباني لم يتمكن منذ فترة طويلة من تحقيق نمو يزيد عن 2% سنويا.وعلى الرغم من الجهود التي يبذلها رئيس الوزراء شينزو آبي للخروج باليابان من عنق الزجاجة من خلال برنامجه الاقتصادي، فإن استعادة اليابان انتعاشها الذي لم يتحقق منذ عقود بفضل سياسات كانت مصممة لحقبة معينة، أصبح أمراً من الصعوبة بمكان.كانت اليابان خلال تسعينات القرن الماضي القطب الصناعي الأبرز في العالم بجانب الولايات المتحدة وألمانيا، وكانت الصين حينئذ تتحسس طريقها نحو التقدم والازدهار الصناعي، إلى أن استأثرت اليوم بأكثر من 11% من إجمالي الصادرات العالمية، في حين تراجع الصادر الياباني حاليا إلى أقل من 5% من الحصة العالمية مقارنة بنحو 10 %. خلال هذه الفترة، لم تستفد اليابان من تراجع الين لاستعادة تنافسيتها التي فقدتها لصالح لاعبين آخرين، وفي الوقت الذي حققت العملة الصينية نموا كبيرا بلغ أكثر من 20% مقابل الدولار خلال العقد الماضي، تراجعت فيه العملة اليابانية بوتيرة مخيفة بلغت قرابة 35%.إن المشكلة التي تصاحب نظرية آبي تتمثل في صعوبة تنفيذها بالسرعة المطلوبة وفقا للمعطيات الحالية، إذ إنها تعتمد على 3 عناصر هي السياسة النقدية المرنة، والإصلاحات الهيكلية الهادفة لتعزيز الكفاءة، والتحفيز المالي.وفي حين أن تلك الخطوات عملت على تأمين نوع من الاستقرار الاقتصادي واستعادة ثقة الشركات، فإنها لم تتمكن من حل مشكلة الديون الكبيرة والعجز المالي، فضلا عن أنها لم تحقق ما هو مطلوب لزيادة مستوى الإنفاق الحكومي.تعمل النظرية الاقتصادية التي يتبناها رئيس الوزراء شينزو آبي بالتركيز على رفع معدلات الإنتاجية وتسهيل التدفقات النقدية، من خلال عدد من المعايير التي تعنى بتعزيز فرص عمل النساء، والتي أحرزت نجاحا محدودا حتى الآن. وفي حين أن التعليم في اليابان يعتبر بين الأنظمة الأكثر تطورا في العالم، فإن البيروقراطية المقيتة أصبحت السمة الرئيسية للثقافة هنالك، حيث إن عدد شركات تمويل المشاريع في البلاد محدود جدا، كما أن نسبة الاستثمارات الأجنبية في تراجع، وقد قامت الكثير من الشركات المحلية بنقل أنشطتها خارج البلاد، في محاولة منها للحفاظ على مكانتها العالمية في المجالات التي تعمل فيها.يعتبر الانفتاح أمام الاستثمارات الأجنبية لقطاع الزراعة الياباني أحد أهم العوامل التي من شأنها إنعاش الاقتصاد ولو بمستوى متواضع، نظراً لأن متوسط أعمار المزارعين فيها يبلغ أكثر من 60 عاما، ومما لا شك فيه أيضا أن رفع القيود التنظيمية عن الواردات سوف يعمل على إنعاش المستهلكين من خلال ترخيص أسعار السلع الاستهلاكية. * فاينانشيال تايمز
مشاركة :