الجزائر- ألقت الإجراءات الأمنية الاستثنائية التي تنفذها السلطات الجزائرية جنوب البلاد بهدف التصدي لمخاطر الإرهاب بظلالها على الوضع الاجتماعي، حيث فجرت فتيل أزمة بين السكان المحليين وقيادة الجيش في ظل غياب بدائل اقتصادية واجتماعية في تلك المنطقة. وتسود حالة من الاستقرار الحذر في منطقة جانت بولاية إليزي الحدودية، بعد الاشتباكات التي جدت ليل الأحد – الاثنين بين مدنيين وجنود مرابطين في المنطقة في أعقاب مقتل أحد سكان المنطقة برصاص عناصر عسكرية على الشريط الحدودي. وأدى هذا الأمر إلى اندلاع أحداث عنف احتجاجا على الإجراءات الأمنية المشددة في المنطقة. وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية المحلية صور ومقاطع فيديو لاحتجاجات سكان محليين وسط مدينة جانت بسبب ما وصوفوه بـ”التصرف الإجرامي في حق الشاب القتيل”. وطالب المحتجون بلقاء قادة الوحدات العسكرية. وفاقمت محاولة تفريق المتظاهرين باستعمال الرصاص المطاطي غضب السكان فصعّدوا احتجاجاتهم من خلال إضرام النيران في العجلات المطاطية وإقامة المتاريس في الطرق الرئيسية. كما حاول المتظاهرون اختراق ثكنة عسكرية، فجاء الرد عنيفا من أفراد الجيش مما أدى إلى سقوط قتيلين. وذكر مصدر محلي مسؤول لـ”العرب ” طالبا حجب هويته “أن عسكريين في مركز متقدم خارج المدينة، أطلقوا النار على شخص رفض الامتثال لأوامر التوقف اعتقادا منهم أنه من عصابات المهربين أو إرهابي اخترق الحدود”. وأضاف “تبين فيما بعد أن هذا الشخص من سكان المنطقة، الأمر الذي أثار غضب السكان المحليين فقاموا بمحاصرة الثكنة العسكرية وحاولوا اختراقها، وهو ما قوبل بطلق نار أدى إلى مقتل اثنين من المحتجين”. وتابع “إن الوضع صعب ومعقد في المناطق الحدودية، بسبب صعوبات التأكد من هوية البعض من السكان الذين يفتقدون إلى وثائق الهوية”، موضحا أن هؤلاء دائمو التنقل في الشريط الحدودي مما يصعب مهام وحدات الجيش المرابطة على الشريط الحدودي، “بسبب الالتباس بين الحركة العادية للسكان ونشاط المهربين، وتهديدات الإرهابيين القادمة من التراب الليبي”. وتداولت شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع إلكترونية وثيقة قيل إنها “وثيقة اتفاق بين القيادة العسكرية في المنطقة والسكان والأعيان والمنتخبين في المجالس المحلية”. وجاء الاتفاق من أجل احتواء الوضع الاجتماعي في بلدة جانت الحدودية. لكن لم يصدر أي بيان رسمي عن وزارة الدفاع بشأن هذه الوثيقة رغم أنها دأبت على التواصل مع وسائل الإعلام والرأي العام بشأن أبسط المسائل الأمنية والعسكرية. ووفق الوثيقة، التي اطلعت عليها “العرب”، فإن “محضر الصلح تضمن الاتفاق على منح أهالي المنطقة حرية التنقل عبر كافة الإقليم، دون عراقيل أو ممارسات استفزازية، وفتح المعابر الحدودية مع دول الجوار، وتكوين هيئة استشارية تتشكل من القيادة والأمنية والمجتمع المدني المحلي لتعزيز الثقة بين الطرفين”. كما تضمن نص الاتفاق، وفق نفس المصدر، فتح تحقيق حول ظروف سقوط الضحايا الثلاث وإحالة المتسببين فيها على القضاء، مع التعهد بتعويض أهالي الضحايا بعد ظهور نتائج التحقيق. وتبعد بلدة جانت عن العاصمة الجزائرية حوالي 2300 كلم، فيما تبعد عن الحدود الليبية حوالي 100 كلم فقط. ويقدر عدد سكان جانت بنحو 17 ألف نسمة، حيث أصبحت محافظة منتدبة في إطار التقسيم الإداري الجديد، الذي أعدته الحكومة لتحسين الخدمات الإدارية لفائدة سكان المناطق البعيدة عن العاصمة. كما تستهدف الإجراءات الحكومية تحييد سكان المنطقة عن الوضع الأمني الحساس الذي تعيشه حدود البلاد في الجنوب والشرق. ومنذ سقوط نظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي في 2011، أخضعت السلطات العسكرية المناطق الحدودية الشرقية والجنوبية لإجراءات صارمة بداعي الهاجس الأمني. لكن هذه الإجراءات أثرت على نشاط السكان المحليين الذين يؤمنون احتياجات حياتهم اليومية وفرص عمل من التنقل والتجارة مع ليبيا المجاورة. وتلمح مفردات الصلح الواردة في الاتفاق المذكور إلى امتعاض السكان من الإجراءات الأمنية المطبقة من طرف السلطات في المنطقة، إلى جانب تأثر نشاطهم التجاري والاقتصادي والاجتماعي بقرار غلق المعابر العادية مع دول الجوار. كما تبرز وثيقة الاتفاق أزمة ثقة اجتماعية في المنطقة، وهو ما يكون سبب تخصيص أحد البنود لإنشاء هيئة مشتركة من القيادة العسكرية والأمنية من جهة ومن السكان من جهة ثانية لمد جسور التواصل والتعايش. ومع مسارعة القيادة العسكرية الجزائرية إلى احتواء الموقف الحساس في وقت قياسي، بات الوضع الاجتماعي والاقتصادي والأمني في جنوب البلاد مصدر قلق حقيقي للحكومة المركزية. وتواجه الحكومة الجزائرية تصاعد الاحتجاجات في مختلف البلدات والمحافظات الجنوبية، بسبب ما يعتبره السكان المحليون لهذه المناطق “إقصاء وتهميشا لهم رغم أن المنطقة توجد فيها آبار النفط التي تزود الخزينة العمومية بأكثر من 95 بالمئة من احتياطي العملة الصعبة”.
مشاركة :