وهج الكتابة: الماغوط.. اغتراب الروح

  • 8/25/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لا تَكن مَوهوبًا فَهذا زمنُ التَافِهين هكذا أعلن الشاعر السوري محمد الماغوط قبل أن يُغادر العالمَ حزينًا، مُغتربًا، محبطًا «ما الفائدة من أن تكون قادرًا على كتابةِ أي شيء في هذا العالم، ولستَ قادرًا على تغيير أي شيءٍ في هذا العالم». شاعرٌ اعيته الطرقاتُ والمسافاتُ والأنظمة. يقف أمام حبيبته ويقول من دون خجل وبكبرياء: «أنا فقيرٌ يا جميلة، حياتي حبرٌ ومغلّفات وليلٌ بلا نجوم، شَبابي باردٌ كالوحل، عتيقٌ كالطفولة». إنه محمد الماغوط الشاعر السوري الكبير الذي يعدُّ من روّاد قصيدة النثر في الوطن العربي وأحد أعمدة الشعراء في «مجلة شعر» التي وضعت أثافي قصيدة النثر بقيادة الشاعر يوسف الخال. ولكنه يعود ويقول: «بدأت وحيدًا، وانتهيت وحيدًا، كَتبتُ كإنْسانٍ جَريح وليس كصَاحب تيار أو مَدرسة». ليس شاعرًا فحسب بل كاتب مسرحي ناقد للأوضاع من الدرجة الأولى، فهو كاتب المسرحيات الشهيرة: ضيعة تشرين، شقائق النعمان، غربة، كأسك يا وطن، خارج السرب، المهرج. كان من عائلة فقيرة جدًا، ابن فلاح وعمل فلاحًا جزءًا من حياته. انه ابن الطبقة الكادحة الذي حرث الأرض وحرث الشعر، عانى القسوةَ لدرجة أن والده أرسل رسالةً إلى المدرسة الثانوية التي كان يدرس فيها الماغوط يطلب منهم الرأفة بابنه بسبب فقره وعوزه لكنهم قاموا بتعليق الرسالة على أحد جدران المدرسة ليصبح أضحوكة بين زملائه، ونال من السخرية ما نال، مما دفعه إلى الهرب من المدرسة. انضم الماغوط إلى الحزب القومي السوري الاجتماعي، من دون أن يقرأ مبادئه كما يقول، بسبب وجود مدفأة في مكاتبهِ أغرتهُ بالدفءِ فدخل إليه وانضم إلى صفوفه، وتعرض للسجن بسبب ذلك، وخلف القضبان كانت بدايته الأدبية الحقيقية حين تعرّف أثناء سجنه على الشاعر علي أحمد سعيد الملقب بأدونيس الذي كان في الزنزانة المجاورة. بعد الإفراج عنه توجّه إلى بيروت التي عاش فيها فترة طويلة هربًا من القمع، وهناك جمعته صداقة وطيدة مع الشاعر بدر شاكر السياب وأصبحا صديقي التسكّع على أرصفة بيروت. بيروت مدينة النور والثقافة والحرية، مدينة المتسكعين الهاربين من قمع أوطانهم، تعرّف في بيت أدونيس في بيروت على الشاعرة سنية صالح شقيقة خالدة سعيد زوجة أدونيس، وأصبحت سنية زوجته لاحقًا بعد علاقة عشق عاصفة بحسب قوله. يصف الماغوط زوجته: «سنية هي حبي الوحيد، نقيض الإرهاب والكراهية، عاشت معي ظروفًا صعبة، لكنها ظلت على الدوام أكبر من مدينة وأكبر من كون، إنها شاعرة كبيرة لم تأخذ حقها. ربما آذاها اسمي، فقد طغى على حضورها، وهو أمر مؤلم جدًا، كما أنها لم تأخذ حقها نقديا». وقال في أحد المرات: «إن حياته من دونها لا تساوي أكثر من علبة ثقاب». عاش حياة بائسة ولكن شريفة ونقية، وعانى من اغتراب نفسي بسبب ما لاقاه من نكران، وتهميش ممن حوله. وإذا تأملنا أقواله، يمكننا أن نتخيل كم كان هذا الرجل معذبًا. «لا تكن متفوقًا في عالمٍ منحط، لأنك ستكون بقعةَ عسلٍ في عالمٍ من الذباب.. ستفنى، ويبقى الذباب». «حسنًا أيها العصر لقد هزمتني لكنني لا أجد في كل هذا الشرق مكانًا عاليًا أرفع عليه راية استسلامي». «أشعر أن شيئًا تحطّم في أعماقي غير الأضلاع، شيئا أهم من العظام لا يمكن ترميمه على الاطلاق». «أناشدك الله يا أبي! دع جمع الحطب والمعلومات عنّي، وتعالَ لملم حُطامي من الشوارعِ قبل أن تطمرني الرّيحُ أو يُبعثرني الكنّاسون». «أيها الحارثُ العجوزُ يا جدي أعطني كلبكَ السلوقي لأتعقّب حُزني أعرني مصباحكَ الكهرَبائي لأبحثُ عن وطني أزقةٌ طويلةٌ كسياطِ أجدادي آتي إليكَ والاستغاثاتُ مصطفةٌ في حنجرتي كالمَجاديف لأشكو لكَ ذلك الرصيفَ ما إن شرعت بقصتي حتى انسلَّ بين الأزقةِ كالأفعى وتركني وحيدًا وقدماي تهتزان في الهواء كقدمي المشنوق». هكذا يرحل العظماءُ الشرفاءُ وراءهم حروف لا تفنى مع الزمن، يرحلون وشواهد قبورهم لا تكفُّ عن الاحتجاج. هل انتهى زمن الشعر برحيل أمثال محمد الماغوط ومحمود درويش، وظل المدَّعون التافهون يحتلون المنصات الأمامية؟ هل؟ Alqaed2@mail.com

مشاركة :