جاء القرار الذي أصدرته إدارة الرئيس الأمريكي ترامب خلال الساعات الأخيرة، بتقليص المساعدات الأمريكية للفلسطينيين بنحو 200 مليون دولار وتوجيهها إلى مناطق أخرى أكثر أولوية في العالم بحسب بيان وزارة الخارجية الأمريكية!ليثير ردودًا عالمية هائلة وغضبًا متفاقما يتزايد مع مرور الساعات.فالظروف الاقتصادية المتردية في قطاع غزة والحصار المفروض على القطاع منذ سنوات من جانب إسرائيل. علاوة على مطالب اقتصادية متصاعدة في الضفة الغربية ومعاناة منظمة الأونروا التي تساعد الفلسطينيين من تقلص ميزانيتها.لا تتطلب من واشنطن ضغوطا إضافية على حياة الفلسطينيين ولا تعذيبهم ومعاقبتهم عقابًا جماعيًا. بل العكس، فقد كان المطلوب من إدارة ترامب أن تقدم مزيدًا من المساعدات للفلسطينيين حتى تبقى على حالة التهدئة الهشة قائمة، وحتى لا تكون حياة الفلسطينيين اليومية في مهب رهانات أمريكية وإسرائيلية غليظة.والحقيقة أن قرار إدارة ترامب بتقليص المساعدات الفلسطينية بنحو 200 مليون دولار هو قرار خاطئ في توقيت خاطئ وحساباته كلها خاطئة:- فالأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة والضفة الغربية متردية. والرهان على احتجاجات شعبية فلسطينية تخرج ضد القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية وضد حركة حماس في قطاع غزة هو رهان على مجهول مخيف. فالاحتجاجات الفلسطينية قد تخرج ضد رام الله وحماس معًا لكنها قد لا تقف أبدا عند هؤلاء، ولكنها قد تتخطى ذلك الى انتفاضة فلسطينية جديدة عارمة، لأن القضية تتصل اليوم برواتب وحياة أسر فلسطينية وهناك التزامات أمريكية لا يمكن الفكاك منها وإلا فإنها فوضى. في نفس الوقت فإن الظروف السياسية الصعبة والتدهور الأمني العربي جراء الفوضى الإيرانية في اليمن وسوريا وغيرها لا تتحمل استقطاع مزيد من المساعدات العربية للفلسطينيين.الواضح أن إدارة ترامب تلعب بالنار في الملف الفلسطيني ويتهيأ لها أن هذه القضية المعقدة منذ 7 عقود يمكن حلها بصفقة سريعة على غرار صفقات ترامب. والضغوط القصوى اليوم من جانب واشنطن سواء بتقليل المساعدات الأمريكية أو الضغوط التي تمارس على منظمة الأونروا وتقليص ميزانيتها تأتي في إطار دفع الفلسطينيين للقبول بصفقة القرن الغامضة التي لم تظهر حتى الآن كمشروع سياسي أمريكي له بنود واضحة يمكن التباحث حولها والنقاش فيها وإبداء الرأي سواء بالقبول أو الرفض.إنها مشروع مشبوه غامض وإخفائه حتى اللحظة عن الإعلام ومنعه من التداول بشكل رسمي يؤكد أنها صفقة مفخخة وتجاوزًا لحدودٍ جغرافية عدة وقفز فوق محرمات سياسية.والحل الوحيد هو إخراج هذه الصفقة من الظلام إلى النور وطرحها للنقاش العربي العام. والابتعاد عن ممارسة ضغوط قصوى وغير نزيهة لإجبار الفلسطينين على ما لا يمكن قبوله.وعلى إدارة ترامب أن تعلم أنه إذا كان لازمًا أن تمرر سياساتها مع إيران بالعصا والعنف فإن هذه الطريقة مرفوضة تمامًا مع القضايا العربية. لأنها ببساطة ليست أوضاعًا مستجدة يمكن التراجع عنها كالوجود الإيراني في سوريا واليمن والعراق ولبنان وغيرهم ولكنها قضايا مزمنة واحتلال إسرائيلي غاصب مر على وجوده أكثر من 70 سنة. وعلى إدارة ترامب أن تراجع قراراتها تجاه القضية الفلسطينية ولا تستهين بها ولا تتقاذفها كالكرة فالمارد الفلسطيني نائم وإيقاظه بمثل هذه الضغوط العنيفة على حياته اليومية، قد يخلق أوضاعًا هائلة ستغضب أمريكا وتل أبيب وستدفع المنطقة إلى مآلات مجهولة.
مشاركة :