هجوم غير مبرر على مشروع دمج «بيتك» و«الأهلي المتحد»

  • 8/25/2018
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

بنهاية عام 2009، كانت الخسائر الصافية لبنك بوبيان خلال السنة من تداعيات الأزمة المالية العالمية وعدم قدرة إدارة البنك السابقة على تجنّبها، تعادل 48.3 مليون دينار. أي ما يفوق كنسبة %40 من رأسمال البنك البالغ 116.5 مليون دينار آنذاك. وبلغت القيمة الدفترية للسهم 76 فلسا. بعد ثماني سنوات، بفضل استحواذ بنك الكويت الوطني على بنك بوبيان وتغيير ادارته، ووفق آخر بيانات مالية سنوية لعام 2017 حقّق بنك بوبيان أرباحا صافية تعادل 47.7 مليون دينار، وتحتل الترتيب السادس بين أرباح البنوك الكويتية العشرة. كما يعتبر نمو أرباح بنك بوبيان المستمر من أهم أسباب استمرار نمو أرباح البنك الوطني.وفق البيانات المالية لبنك الكويت الوطني لسنة 2009، استحوذ «الوطني» على حصة %40 من أسهم بنك بوبيان، وهو أي بنك بوبيان في أسوأ حالاته، بتكلفة 264 مليون دينار. واستمر «الوطني» في رفع نسبة ملكيته في بوبيان إلى أن أصبحت نسبة الملكية %58.4، وأصبح بنك بوبيان شركة تابعة تدمج بياناتها المالية مع بيانات البنك الوطني سنة 2012. ونتج عن ذلك الدمج شهرة مؤقتة حينها تعادل 430 مليون دينار. وأصبحت أي الشهرة سنة 2017 تعادل مبلغ 335 مليون دينار سنة 2017. (تنتج الشهرة من الفرق بين القيمة العادلة والقيمة الدفترية للأصول المشتراة وتخضع لإعادة تقييم مرة في السنة أو أكثر ان استدعى الأمر).من يتمعن في تفاصيل قصة هذا الاستحواذ الناجح، ثم يراقب بعض ردود الأفعال على مقترح دمج «بيت التمويل الكويتي» مع البنك الأهلي المتحد البحريني قبل تحديد أسعار الأسهم في عملية الدمج أو الاستحواذ قد يخرج متعجباً، يتساءل:لماذا لم يحتجّ مساهمو البنك الوطني او اطراف الحكومة او غيرهم على هذا الدمج، وهذه الشهرة في وقتها؟ ولماذا وافقت الجمعية العمومية بسهولة على ذلك؟ولماذا سهلت الجهات الرقابية، أي البنك المركزي، هذا الاستحواذ ودعمته؟ولماذا لم يكن هناك متضرر من الصفقة، علما بأن سعر السهم المستحوذ عليه لم يكن منخفضا؟ولماذا سهم البنك الوطني اليوم، أي بعد أكثر من ست سنوات على الاستحواذ، في أعلى اسعاره التاريخية؟مقارنة صفقة بأخرىبينما كان بنك بوبيان يعاني من خسائر كبيرة عند بداية استحواذ البنك الوطني عليه، لا يعاني أي من «بيت التمويل» أو «الأهلي المتحد» من خسائر، بل هناك أرباح معلنة جيدة للبنكين ومتنامية خلال السنوات الخمس الأخيرة. ومن حيث القيمة السوقية لـ «بيت التمويل» ومكررات الربحية والقيمة الدفترية نجدها أعلى بشكل كبير من الأهلي المتحد البحريني، وذلك يعني بشكل عام للمختصين في حال استمرار نمو الأرباح الجيدة للبنكين كما في السابق أن هناك فرصة في تعظيم ثروة ملاك أهلي متحد لأن السوق سيكون عادلا بالنسبة اليهم. ومن ناحية أخرى، سيصبح سهم «بيت التمويل» بعد الاندماج بمكررات منخفضة وبجاذبية أكثر للمستثمرين. وهذا أفضل من وضع استحواذ «الوطني» على «بوبيان»، نظرا الى المكررات العالية جدا لسعر الاستحواذ على بنك بوبيان بسبب خسارته الكبيرة، وانخفاض القيمة الدفترية للسهم، آنذاك.بحسب موقع أرقام وبتاريخ 23 أغسطس  2018، كانت مكررات ربحية بيت التمويل لآخر 12 شهرا 19، بينما كانت 8 فقط للأهلي المتحد البحريني. ومضاعف القيمة الدفترية لبيت التمويل هو 2.12، و1.27 للأهلي المتحد. وهو ما يؤيد الاستنتاج السابق. (خطة اندماج معروفة لزيادة جاذبية السهم العالي المكررات بسبب انخفاض مكرراته بعد الاندماج).من حيث الملاك نجد أن ملكية الحكومة الكويتية في بيت التمويل عالية، كذلك ملكية الحكومتين الكويتية والبحرينية في الأهلي المتحد البحريني مقارنة مع حالة البنك الوطني وبنك بوبيان، وهو ما قد يفسر ولا يبرر اللغط الكبير حول الحفاظ على المال العام وتأثير الصفقة عليه.في صفقة الوطني – بوبيان كان الوطني بنكا تقليديا يستحوذ على بنك إسلامي. أما في حالة صفقة بيت التمويل والأهلي المتحد، فإن على الأهلي المتحد البحريني التحول إلى بنك إسلامي، مما قد يغير في توقعات الأرباح المستقبلية نوعا ما. كما أن استحواذ الوطني على بوبيان تم من خلال الموارد الذاتية للوطني، وهو سيناريو غير متوقع حاليا لعملية الدمج التي ستكون غالبا من خلال الأسهم ذات التأثير الأقل على موارد البنكين المالية.في صفقة الوطني – بوبيان كانت الجهة الرقابية الرئيسة واحدة وهي البنك المركزي الكويتي. أما في صفقة بيت التمويل – الأهلي المتحد، فهناك جهتان رقابيتان، وهما البنك المركزي الكويتي والبنك المركزي البحريني، وما قد يزيد الأمر تعقيدا هو تملك الأهلي المتحد البحريني ما نسبته %74.9 من البنك الأهلي المتحد الكويتي ونسبة الموجودات الكويتية في اجمالي موجودات الأهلي المتحد البحريني هي %36 مقابل %18 فقط موجودات بحرينية. (المصدر البيانات المالية للأهلي لمتحد البحريني لسنة 2017).الاندماجات والاستحواذات في البنوك الأميركيةتبين الأبحاث ان البنوك تندمج مع بعضها لأسباب اقتصادية بحتة، وهي تعظيم الإيرادات وتقليل النفقات والاستفادة من اقتصاديات الكم، بالإضافة إلى التنويع والتوسع في رقعة العمليات وتقليل المخاطر بسبب هذا التنوع. ويبين الباحثون أن اندماجات البنوك قد تخلق بنوكا جديدة ذات كفاءة تشغيلية أعلى.يمكن الاستدلال على ما سبق من انخفاض أعداد البنوك الأميركية من 14.500 في الثمانينيات إلى ما يقارب الــ5.600 سنة 2018، حيث يقل سنويا عدد البنوك الأميركية من سنة 1990 إلى 2017 بمعدلات تتراوح بين %6.5 و%2.2 بسبب الاندماجات (المصدر FDIC). حتى خلال الأزمة المالية أي في السنوات من 2007 إلى 2009 كانت اعداد البنوك المفلسة أقل من أعداد عمليات الاندماج. وبشكل عام كانت البنوك المستحوذ عليها أصغر وأقل في الربحية والكفاءة وظروفها أسوأ من البنوك التي لم يستحوذ عليها.كمثال على ما سبق، في سنة 2008 استحوذ بنك ويلز فارغو Wells Fargo بهدف التوسع الجغرافي على بنك واكوفيا Wachovia مقابل أسهم بقيمة 15.1 مليار دولار. تم شراء البنك بسعر 7 دولارات للسهم في حين كان آخر اغلاق له بسعر 3.91 دولارات، أي بزيادة بنسبة %79 عن آخر سعر، علما بأنه قد هبط إلى ما دون الدولارين قبل ذلك. وسينفق ويلز فارغو مبلغ 10 مليارات دولار نقداً على إعادة هيكلة البنك. في سنة 2010 ثم اثبات تهمة غسل 378 مليار دولار من أموال المخدرات المكسيكية والكولومبية خلال الفترة من 2004 إلى 2007 على بنك واكوفيا، وتم تغريمه من قبل السلطات. مع ذلك استمرت أرباح ويلز فارغو في النمو منذ سنة 2009 إلى 2014 مستفيدة من التوسع الجغرافي الذي حصل نتيجة الاستحواذ على بنك واكوفيا.لماذا الموقف الحاد ضد الصفقة؟ لا يمكن اتخاذ موقف حاد ضد الصفقة أو حتى معها الا بعد تحديد سعر الأسهم لإتمام عملية الدمج أو الاستحواذ والاطلاع على التقارير التفصيلية النهائية التي نتمنى أن تكون متاحة للمهتمين والمختصين، وذلك على الرغم من أن التوجه العام للصفقة أي اندماج البنوك هو توجه سليم بشكل عام لتعظيم الأرباح وتقليل النفقات وخلق قيمة مضافة للمساهمين. ولا تتحقق الأرباح المستهدفة الا في حال كانت قدرة وكفاءة إدارة البنك بعد الاستحواذ أفضل إدارة في البنكين قبل الاستحواذ.لكن ما كان مستغربا هو مواقف بعض المختصين ضد الصفقة، وكأنها ان تمت بأي سعر مهما كان قليلا ستكون ضد المصلحة العامة وستتسبب في اهدار المال العام. وهنا يجب أن نتوقف ونتساءل ماذا لو استحوذ بيت التمويل الكويتي على البنك الأهلي المتحد البحريني بسعر مغرٍ؟ هل ستكون الصفقة ضد المصلحة العامة وتهدر المال العام؟إلى ذلك، أصدر مركز للاستشارات الاقتصادية عدة تقارير تقارن بين جودة أرباح بيت التمويل الكويتي والأهلي المتحد البحريني، والتي بالرغم من أهمية محتواها والجهد المبذول في اعدادها، فإنها تعتمد في النهاية على البيانات المالية والأخبار المعلنة دون الاطلاع على التفاصيل المتوافرة لدى الجهات الرقابية وعلى التفاصيل التي سيطلع عليها الاستشاريون العالميون المحايدون المعنيون بتقييم الصفقة. وحتى لا نطيل أو ندخل في تفاصيل أكثر سنذكر النقاط التالية بشكل مختصر جدا:• إن كانت جودة أي من أرباح البنكين منخفضة فإن ذلك يؤثر فقط على سعر الاستحواذ ولا يلغي مبدأ الاستحواذ اطلاقا.• لم تتطرق التقارير لمكررات الربحية والقيمة الدفترية وهي ذات علاقة وثيقة بجودة الأرباح.• كلما زاد مستوى حرفية ومهنية إدارة البنك المستحوذ كانت فرص النمو بعد الاستحواذ أكبر. كما أن الأهداف والفوائد المتوقعة من الاندماج عادة ما تتحقق على المدى المتوسط والطويل وليس على المدى القصير. • من المعروف عند المختصين أن بإمكان البنوك بشكل خاص إخفاء سوء جودة أصولها وأرباحها بحرفية كبيرة جدا والعكس صحيح. وهذا يعني أن البيانات المالية المعلنة وإن بدت جيدة أو غير جيدة قد لا تعبر بشكل قاطع عن جودة أصول البنوك وأرباحها. محمد رمضان كاتب وباحث اقتصادي rammohammad@

مشاركة :