الإنسان.. بين تدبر القرآن وتدبر الأكوان!

  • 8/26/2018
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

إن الدعوة المبرورة إلى تدبر القرآن لاستخلاص الأحكام والمواعظ منه نجدها كثيرة في القرآن الكريم مثل قوله تعالى: «ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر» القمر/17، وقد ورد التأكيد على هذا المعنى في سورة القمر في أربعة مواضع في الآيات (40،32،22،17)، وقد ربط الحق سبحانه وتعالى بين الادكار وتيسير القرآن، وبذلك أسقط حجة المحتجين بأنه كتاب سماوي يصعب فهمه، وتدبر آياته وسوره، فتكفل سبحانه من دون أحد من خلقه بتيسير هذا الكتاب المعجز. لقد جاء الحض على التدبر لآيات هذا الكتاب المبين في أكثر من موضع في القرآن بعد التأكيد عليه في سورة القمر، فقال تعالى في سورة محمد: «أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها» الآية 24، وربط الحق سبحانه وتعالى بين التدبر والقلب، واشترط فتحه قبل فتح القارئ للمصحف لأن القلب محل الإيمان، وفيه تتجلى عقيدة المؤمن، ويدرك به مقاصد القرآن. ثم جاءت الدعوة إلى تدبر آيات القرآن أيضًا، في قوله تعالى: «أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرا» النساء/82. وللقرآن العظيم هدايتان، هداية عامة لكل الناس، وهي هداية الدلالة، كما في قوله تعالى: «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان» البقرة/185، فمن أقبل عليه نال الهداية. والثانية هي هداية المعونة والتمكين، جاء ذلك في قوله سبحانه: «والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم» محمد/17. الذين اهتدوا؛ أي قبلوا الهداية الأولى، هداية الدلالة، فزادهم الله تعالى هدى؛ أي أعانهم على الثبات على الطريق الذي اختاروه بمحض اختيارهم الحر، وأما الذين أعرضوا ونأوا بجانبهم عن الحق، فهؤلاء تركهم سبحانه لاختيارهم الحر بعد أن بَيَّنَ لهم سواء السبيل. هذا شيء يسير من تدبر القرآن، أما تدبر الأكوان، فإن القرآن الكريم لم يبخسه حقه، واهتم به، وحض على الدعوة إليه كما اهتم ودعا إلى تدبر الآيات القرآنية، ونجد ذلك في قوله تعالى: «إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب (190) الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار (191)» آل عمران. انظر كيف أطلق على الكون وما فيه من مخلوقات أنها آيات ، ففي القرآن آيات بينات هي موضوعات للتدبر لنستخرج منها الأحكام الشرعية لأفعال وأقوال العباد، وعلينا أن نعمل عقولنا في تدبر مقاصدها، وفي السماوات والأرض، والليل والنهار آيات كونية لنهتدي بها، ومن خلالها إلى سُنَن الله تعالى في الوجود، وتأملوا كيف قاد النظر إلى الكون، وتدبر آياته إلى أن هذا الوجود لم يخلق عبثًا، قال تعالى: «أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون (115) فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم (116) ومن يدع مع الله إلهًا آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون (117)» المؤمنون. لقد خلق الحق سبحانه وتعالى الوجود لغاية لا يمكن التعرف عليها، وبلوغها إلا من خلال تدبر آيات الكون من قبل المتخصصين، كل في مجاله، وفي دائرة تخصصه، قال تعالى: «ألم تَر أن الله أنزل من السماء ماءً فأخرجنا به ثمرات مختلفًا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود (27) ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء إن الله عزيز غفور (28)» فاطر. واختار الله تعالى أمثلة على مواضيع يستطيع الإنسان أن يبحث فيها بحثًا علميًا كل فيما يجيد ويتقن، قال سبحانه وتعالى: «أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت (17) وإلى السماء كيف رفعت (18) وإلى الجبال كيف نصبت (19) وإلى الأرض كيف سطحت (20)..» الغاشية. نحن جميعًا نعلم أو بعضنا يعلم لماذا خلقت هذه المخلوقات، وما منافعها للإنسان، والآيات التي جاءت في سورة الغاشية لم يكن السؤال فيها عن هذه المخلوقات بـ«لماذا»، لكن بـ«كيف»؛ أي السؤال عن الهيئة التي خلقت عليها هذه المخلوقات، وهو سؤال يندرج فيما يسمى بالبحث العلمي، وفي هذه الآيات استنهاض للهمم لكي تفكر وتبحث للوصول إلى السنن التي جعلها الله تعالى في هذه المخلوقات، وعليك أيها الإنسان أن تبذل جهدك في تحصيل هذه المعرفة. إذن، فالتدبر الواجب أن يكون في آيات القرآن، وفي آيات الكون في القرآن من أجل معرفة الشرائع والأحكام التي تتضمنها هذه الآيات القرآنية، وأما التدبر الواجب في آيات الكون، فإنه عبادة مفروضة للتعرف على تجليات أسماء الله تعالى الحسنى، وصفاته العلا وهذا لا يتحقق إلا من خلال النظر والتدبر في صفحات القرآن المسطورة، وصفحات الكون المنظورة، ولنتأمل قوله تعالى: «الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون (2) وهو الذي مدَّ الأرض وجعل فيها رَوَاسِي وأنهارًا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون (3) وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأُكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون (4)» الرعد. فالتدبر في آيات الأحكام واجب، وفريضة إسلامية للقيام بأداء أركان الإسلام التي فرضها الله تعالى على عباده، وأما التدبر في آيات الكون من أرض وسماء، وليل ونهار، وبحار وأنهار، وجبال رَوَاسٍ فإنه واجب وفريضة علمية للتعرف على خالق هذه الأكوان ومدبرها سبحانه، والحق سبحانه تعالى يستنهض العقل، وينشطه ليقوم بالمهمة التي خلق من أجلها، ولهذا ختم الحق سبحانه هذه الآيات الأولى بقوله: «لعلكم بلقاء ربكم توقنون»؛ أي تزدادون يقينًا على يقينكم أن لهذه الأكوان خالقًا سوف تعودون إليه، وتقفون بين يديه، فيحاسبكم على ما قدمتم من عمل صالح أو سيئ، وختم جل جلاله الآية الثانية بقوله: «لقوم يتفكرون» في آلاء الله تعالى ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، وأن التفكر فيها سوف يقود لا محالة إلى التصديق بوجود خالق مدبر لهذه الأكوان الشاسعة المترامية الأطراف، وأما الآية الثالثة، فإن الحق سبحانه وتعالى قد ختمها بقوله: «لقوم يعقلون». إذن، فنحن أمام دعوة مبرورة وصريحة من خالق السماوات والأرض ومدبرهما إلى أن نعمل عقولنا، ونجتهد في تدبر آيات الأحكام للعمل بمقتضاها، وآيات الأكوان لنبلغ الغاية التي خلقنا لبلوغها من خلال تتبع آيات الله تعالى في الآفاق وفي الأنفس لنتبين أنه الحق سبحانه، ولنرى تجليات الأسماء والصفات، ونؤمن بأنه لا إله إلا هو سبحانه، فإذا فعلنا ذلك حققنا الغاية من وجودنا وهي: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون» الذاريات/56. www.aalbinfalah.wordpress.com

مشاركة :