في السادس والعشرون من أب (أغسطس)، انطفأت في الرياض نجمة رجل الأعمال الشاعر السعودي الشهير حجاب عبدالله بن نحيت، رحل عن 74 عاماً مسلماً روحه إلى بارئها، لكن كثيرون سيتذكرون صاحب الفكر الشعري، الذي أبدع كثيراً في توظيف الحوار في قصائده توظيفاً يجبر المتلقي على الدخول في جو القصيدة والتفاعل نفسياً معها. عاش حجاب حياة حافلة بالعطاء، إذ ولد في بلدة الفوارة غرب القصيم عام 1944، وترعرع فيها قبل أن يبرع في الشعر والفن الشعبي، وتغنى بعدد من قصائده الوطنية والعاطفية في اسطوانات شهيرة خلال السبعينات والثمانينات من القرن الميلادي الماضي، قبل أن يعتزل الوسط الفني، ويبدأ العمل الاجتماعي، بحسب موسوعة «ويكيبيديا». ويصف الشاعر الدكتور صالح الشادي، ابن نحيت بأنه «الشاعر الكبير والمبدع العذب». وقال لـ«الحياة» إنه «إذا كان للأدب والفن الشعبي من لسان فقد كان لسانه، وإن كان للعذوبة من متحدث؛ فقد كان الناطق باسمها»، لافتاً إلى «أجيال تربت وترعرت وهي تنصت إلى إبداعه الذي شكل ذائقة خاصة، ورسم هوية حقيقية لمعنى التراث الشعبي المحلي وأصالته». وبعيداً عن هذا وذاك فأنه حجاب – من وجهة نظر الشادي – «الإنسان والرجل والخلق والسجايا الطيبة ، ومن عرفه عن قرب ومن سمع عنه عرف كم كان هذا الرجل نبيلاً ومعطاء وكريم الذات»، مختصراً الراحل في قوله هو «سيرة وقصة ذات شجون ينبغي للتاريخ أن يدونها، رحل عنا لكنه سيبقى علماً في ذاكرة الوطن وهامة في سجل التراث ورمزاً محبوباً قدم كل ما لديه لإسعادنا وإلهامنا». نحت الشاعر ابن نحيت اسمه في ساحة الشعر الشعبي الخليجية، وصنع تضاريس وطنه ملامحه الشخصية والشعرية، حتى باتت أبياته تتناقلها الركبان في مشارق الجزيرة ومغاربها، مسيرة شعرية نأى بنفسه فيها عن هجاء أحد، وكان ملهماً بالشعر ووهبه الله جمال الصوت وفي صوته أصالة البادية، إذ كان يعشق البادية ومحباً لها. ويعتبر حجاب رائد الفن الشعبي في نجد خلال ثمانينات القرن الهجري الماضي، وكان متعدد المواهب، فهو شاعر وملحن ومطرب أصيل. يجمع بين أصالة البداوة ورقة الحضارة، وتسيد الساحة الفنية الشعبية النجدية في وقت لم تتشكل فيه بعد ملامح الفن، لذلك أطلق عليه لقب «رائد الفن». وبعد مشوار حافل، اعتزل ابن نحيت الغناء في منتصف التسعينات الهجرية، تاركاً إرثاً فنياً. ويرى الشاعر سليمان المانع أن الراحل «كان حال استثنائية وسباقة في عالم الفن الشعبي، وشاعراً رائداً، أما حجاب الإنسان فيشهد له تاريخه الإنساني ومواقفه العظيمة»، ميبناً أنه التقى به مرتان متباعدتان ولدقائق معدوده «لكني ككل أبناء جيلي نحفظ ماذا قدم للجيل الذي سبقنا من لغة مختلفة ومبدعة»، مؤكداً أنه «فقيد كبير للأدب والفن الشعبي». وعاش الشاعر الحميدي الثقفي في مراحل طفولته على صوت ابن نحيت «الجميل»، وقال لـ«الحياة»: «كنت استمتع بشاعريته وتجلت عظمته في آخر العمر عندما اتجه إلى العمل الخيري وإصلاح ذات البين»، لافتاً إلى أنه من الشعراء القلائل الذي صنع بصمه طيلة حياته. ورثى الشاعر نفسه قبل ثلاث سنوات من رحيله، ليزيد آلام الفقد على عشاقه، طالباً من أسرته وضعه على جانبه الأيمن عندما تحين ساعة وفاته في قبر جديد لم يسكنه أحد من قبله: «ضعوني على جنبي الأيمني.. إذا رفض الجسم أن ينحني.. بقبر عميق قضيف نظيف.. قصير جديد ولم يسكني.. وخطوا على القبر عبد الغفور.. وإن كنت بالأمس عبد الغني.. فلست بشوق لما تجمعون.. ولا للثمين ولا الأثمني.. وإن كنت مليت طول البقاء.. فلربما أن هو ملني.. تحيرت بين الحياء والرجاء.. وكان الحياء والرجاء ديدني». ووجّه حجاب بن نحيت وصيته إلى ابنته عند موته، داعياً إياها إلى عدم لطم خدودها، وذلك عبر قصيدة ترنم بها، ونصحها فيها ألا تحزن من خلال تكراره للبيت الذي حمل الوصية لابنته، وطمأنها بأنه «ذاهب إلى رب عظيم رحيم حليم كريم غني»، وقال : «فيا بنتي إن حان وقت الرحيل.. إذا وجهوني إلى مدفني.. فإياك إياك لطم الخدود.. وإياك يا بنتي أن تحزني.. فإني ذهبت لرب عظيم.. رحيم حليم كريم غني».
مشاركة :