الانتخابات البرلمانية.. بين نهج المشاركة ونهج المقاطعة

  • 8/28/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

بيننا وبين مهرجان انتخابات النيابي والبلدي مسافة زمنية قصيرة، ولا بد من كلمة فيما يتعلق بموضوع الديمقراطية الوليدة وسوء الفهم تجاهها من قبل البعض الذي يأخذ منحى المقاطعة ونحن في بداية الطريق، وماذا يمكن أن نفهم من المقاطعة. وهل هناك مسوغ وطني للمقاطعة؟ على العموم فإن المقاطعة ليست غريبة على مسار الممارسة البرلمانية، فهناك برلمانات قديمة وحتى عريقة وتشهد المقاطعة، ومع هذه الديمقراطيات المتجذرة في المجتمع فليس هناك من تأثير سلبي على الديمقراطية فيه، وهناك برلمانات وليدة مازالت في طور الرضاعة، والمقاطعة لها تؤثر سلباً على استمرارية الحياة البرلمانية، الفارق بينهما كبير من حيث التاريخ والوعي الجمعي، وحسابات الربح والخسارة، الذي يهمنا هو حالة البرلمان الوليد، وهو حالنا في البحرين. جميع الشعوب تناضل من أجل تحقيق دولة القانون، ودولة القانون بصيغتها العصرية هي الدولة الديمقراطية بفصل السلطات الثلاث فيها. المشروع الإصلاحي في البحرين هو نتاج نضال الشعب وتجاوب القيادة من اجل تحقيق دولة القانون على مساره الطبيعي وبفعل أهم قانون من قوانين الجدلية المادية، وهو القانون الذين يربط التحول النوعي بالتحول الكمي، والقليل القليل وشبه النادر ما تأخذ التحولات طابع الطفرة، والطفرة عادة مرتبطة بانغلاق المنافذ امام المسيرة النضالية السلمية فتتحول الى طابع الطفرة أي الثورة أو الانقلاب، وكلاهما لهما تبعات مؤلمة وبعضها كارثية الى أن تستقر الأمور بعد أجيال من المعاناة... عندما تفتح السلطة الحاكمة في أي بلد، وتحت تواصل النضال السلمي، باباً للمشاركة الشعبية، مهما كان الباب ضيقاً، وتبدأ في رسم ميثاق وطني ودستور للدولة وتتبع ذلك برسم خارطة لحياة برلمانية وانتخابات لبدأ تشكيل أول سلطة تشريعية، فإن هذا يعتبر تطوراً نوعياً على مسار النضال الوطني. إذاً فالبرلمان مكسب وطني أفرزته نضالات سلمية لشعب يحبذ التطور على مساره الطبيعي، بجدلية الكم والنوع، دون حاجة الى طفرة ثورية تقلب الأوضاع رأساً على عقب بين ليلة وضحاها، ولا يمكن التكهن بنتائجها ولا الاطمئنان لها. طبيعي إذاً أن التحول الطبيعي السلمي يختلف جوهرياً عن التحول الثوري الذي يعتمد قانون الطفرة، والطفرة هي نتاج تفجر حالة الانحباس للتراكم دون حصول أي متنفس للتحول، وهذا القانون معقد وحساس وله حسابات مختلفة ومتشابكة، ونتائجها كارثية في معظم التجارب التي مرت بها بعض الدول عبر التاريخ. إذاً فنحن امام قانون سلمي تراكمي - نوعي، ومسار تقدمي على خطى المكاسب المتراكمة، وليس امام قانون الفطرة الذي يعتمد العمل الثوري و قلب الأوضاع رأساً على عقب بين ليلة وضحاها. من جانب آخر، فإن السلطة التي كانت مطلقة بالامس واليوم قبلت مشاركة شعبية لا يمكنها أن تسلم زمام السلطة كاملة على قاعدة التحولات الثورية، أو أنها تختزل الزمن لتتحول بين ليلة وضحاها الى نمط ديمقراطي على قياس الديمقراطيات العريقة، هذا ضرب من الخيال. نحن الآن أمام مشهد سياسي جديد قابل لمواصلة التجديد والتَجَدُّدْ، فكيف نرى نهج المشاركة في هذا المشهد الجديد، ونهج المقاطعة. واضح أن المشاركة، وبغض النظر عن مستوى وسقف سلطة البرلمان، هي استمرار للنضال التقدمي السلمي تعبر عن رؤية وطنية حريصة على السلم الوطني في عمليات التحول النوعي. وبالمشاركة يبدأ نهجاً نوعياً جديداً من النضال، النضال السابق قبل البرلمان كانت تفصله مسافة كبيرة عن دائرة اتخاذ القرار، أما مع البرلمان فقد أصبح النضال يعمل ملاصقاً لدائرة القرار، وهذا النهج النضالي الجديد يصبح ضمن مطبخ القرار الوطني، بدرجات ونسب متفاوتة تتحسن مع تراكمات النضال القريب من دائرة القرار. بديهي إذاً أن المشاركة، ليست مشاركة على هوى المشاركة المطلقة دون اعتبارات وطنية دقيقة، بل انها تعبير عن نهج نضالي، نهج حسابات الربح والخسارة دون الأضرار بالسلم الوطني، ومع تحقيق مكاسب بأقل الخسائر المتوقعة، ومن أجل مواصلة النضال من موقع جديد وبأساليب جديدة مع احترام العمل المشتركالسلمي. هكذا نرى أن نهج المشاركة يرفض منحى المقاطعة، لأن المقاطعة بحد ذاتها ليست مقاطعة من أجل مكسب ديمقراطي طبيعي وسلمي، بل أن المقاطعة تعتمد نهج الطفرة بروحية الثورة، بمعناها الانقلابي، أي الانقلاب على الواقع السلمي والعمل السلمي، هذا النهج الانقلابي لا يريد أن يرى الشمس تأخذ مسارها الطبيعي الفلكي من الغروب الى الشروق، بل يريد التحولات النوعية على القياس الغيبي، وهذا مستحيل. بالنتيجة فإن البون بين المشاركة والمقاطعة هو بون النهج، المشاركة لها نهج، والمقاطعة لها نهج معاكس، نهج المشاركة يعتمد الفكر المادي الوضعي، بينما نهج المقاطعة يعتمد العاطفة الثورية وما تفرزه من ارتباكات في المواقف، وبلبلة فكرية لا يمكنها أن تكون ناضجة... إن مصير الوطن مسؤولية كبيرة لا يمكن تركه في مهب رياح العاطفة الثورية أو الانقلابية، والكل مسئول عن مصير الوطن وأمام الوطن، والوطن لا يسمح لأحد أو لأية جهة العبث بسلامته وأمنه...

مشاركة :