لم يتوقّف نقد قانون “إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي”، الذي أقرّه الكنيست الإسرائيلي مؤخّراً (19/7)، بأغلبية 62 نائباً، كقانون أساس ـ دستوري، على الفلسطينيين، فقط، إذ أنه شمل اليهود الإسرائيليين، أيضاً. وقد يجدر التنويه هنا إلى أن نقد هؤلاء للقانون المذكور ربما كان أكثر دلالة وعمقاً، في كثير من الأحيان، لا سيما إذا استثنينا الناحية القومية، الأمر الذي قد يفسح المجال لصوغ نوع من مشتركات، يمكن الاستثمار فيها، في المدى المستقبلي، للكفاح ضد إسرائيل باعتبارها دولة استعمارية واستيطانية وعنصرية؛ وهي مسألة يفترض أن تولى أهمية كبيرة من قبل حركة التحرر الوطني الفلسطيني، أو ما تبقى منها، باعتبار أن الفلسطينيين لا يواجهون دولة استعمارية، أو جيش دولة، فحسب، وإنما يواجهون دولة ومجتمعا، في آن واحد، في تجربة فريدة من نوعها، حتى بالقياس لتجربة الكفاح ضد نظام الأبارثايد في جنوب أفريقيا. أيضاً، يلفت الانتباه أن نقد القانون المذكور لم يقتصر على الباحثين أو المحّللين السياسيين الإسرائيليين، فهذا مردخاي كرمنتسر، المستشار القانوني للحكومة، صرّح، في وقت مبكرّ، بأنه إذا تمت المصادقة على مشروع القانون فستحدث ثورة في اسرائيل…واسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية ستنتهي…اسرائيل ستنتقل الى موقف رائد بين الدول الوطنية (يقصد ذات الطابع الشوفيني) مثل بولندا وهنغاريا”. (“هآرتس”، 11/7) في حين عبر الموسيقار اليهودي العالمي دانئيل برانبويم عن خجله من كونه إسرائيلياً، بقوله: “بعد مرور 70 عاما…أقرّت حكومة إسرائيل قانوناً جديداً يستبدل مبدأ المساواة والقيم العالمية بالقومية والعنصرية…لدينا الآن قانونا ًيحوّل العرب في إسرائيل إلى مواطنين من الدرجة الثانية. هذا شكل واضح جداً من الفصل العنصري. أجد صعوبة في تصديق أن الشعب اليهودي قد حافظ على وجوده لمدة 2000 سنة، على الرغم من الاضطهاد المستمر وأعمال القسوة، لكي يصبح قامعاً ويتعامل بقسوة مع شعب آخر. لكن هذا بالضبط ما يفعله القانون الجديد. لذا أخجل بأن أكون إسرائيليا.ً” (“هآرتس”، 24/7) ولعل ما ينبغي توضيحه هنا أن هذا القانون لم يأت بجديد على صعيد رؤية إسرائيل لذاتها كدولة يهودية، ولا على صعيد تحديدها مكانة العرب، في منزلة دونية بالنسبة لليهود (سواء كانوا مواطنين في إسرائيل أم لا)، وهذا ما يلخّصه الشاعر الإسرائيلي ب. ميخائيل باعتباره أن “مشروع سحق حقوق العرب (تمييز في الاراضي، البنى التحتية، التعليم، الفرص، التمثيل، التشغيل، التطوير والثقافة)…بدأ غداة الاعلان عن اقامة الدولة واستمر حتى ايامنا هذه”. وعنده فإن الجديد، الذي أحدثه القانون المذكور، هو أن التمييز الحاصل بات “أخيراً مشروع قانوني وحلال تماماً. من الآن يمكن مواصلته دون خوف من محكمة العدل العليا.” ويتابع: ” القانون ليس فقط طهرنا، نحن الطاهرين، من الانواع الدرزية، الشركس، المسلمين، السامريين والمسيحيين، بل أيضا حرّرنا من 400 ألف، معظمهم من الروس، اندمجوا داخلنا بطرق احتيالية…قانون القومية أيضاً حسم أخيراً النقاش التاريخي حول مسألة: اليهودية هل هي دين أم قومية. القانون حدّد…بأن اليهودية هي دين…الطريقة الأفضل…للانضمام اليها…فقط تعلم عدد من المبادئ الارثوذكسية والاستحمام بوجود عدد من حكماء الدين، وفجأة تصبح واحدا منهم. (“هآرتس”،14/8) وفي الواقع فإنه منذ البداية، ما كان لفكرة أو لادعاء أن إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية في الآن ذاته أن تكون صحيحة، بالنسبة لإسرائيل ذاتها، وخاصة بالنسبة لتعاملاتها مع الفلسطينيين، لذا فقد جاء القانون لكي يمحي هذا التناقض، أو ليحله لصالح اليهودية ـ العنصرية. وهذه المسألة بالذات أكد عليها الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفيي المعروف بتضامنه مع حقوق الفلسطينيين، فالقانون بالنسبة له أنهى “مهزلة «اليهودية – الديمقراطية»، وهذا برأيه “لم يكن في أي يوم موجوداً، ولم يكن بإمكانه الوجود بسبب التناقض في المعنى بين القيمتين، حيث لا توجد سبيل للتوفيق بينهما، فقط التضليل. إذا كانت يهودية فهي لن تكون ديمقراطية بسبب عدم المساواة. وإذا كانت ديمقراطية فهي ستكون غير يهودية لأنه لا يوجد للديمقراطية مزايا على اساس عرقي. الآن، الكنيست تختار اليهودية. اسرائيل تعلن أنها دولة القومية اليهودية، وأنها ليست دولة كل مواطنيها.” ويرى ليفي أن “هذا القانون مهم جداً. فهو قانون الحقيقة”. بل إن ليفي يسخر من ادعاءات إسرائيل بشأن أن “الابارتهايد يوجد فقط في جنوب افريقيا…وعندنا لا يوجد…لأنه لا يوجد لدينا تشريع له. وأن الخليل ليست ابارتهايد وغور الأردن أيضاً. وأن الاحتلال ليس جزءاً من النظام. وأننا الديمقراطية الوحيدة، مع الاحتلال…كم نحن جيدون!!…الآن سيكون هناك قانون يقول الحقيقة. اسرائيل لليهود فقط…العرب هم مواطنون من الصنف ب، والرعايا الفلسطينيون هم هواء غير موجودين”. (“هآرتس”، (13/7) من جهته فإن المحلّل السياسي والشاعر الإسرائيلي يرون لندن اعتبر أن قانون إسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي يثير تناقضاً بين هويتين، بين اليهودية (أي اليهود في العالم)، وبين الإسرائيلية (أي يهود إسرائيل)، كما يرى فيه تناقضاً بين المجتمعات المنفتحة التي تلائم التطور وحركة التاريخ، وبين المجتمعات المغلقة، الرجعية، التي تريد تعبّر عن نكوص في حركة التاريخ. يقول لندن في مقال له عنوانه: “الكنعانيون الجدد”: “الاسرائيليون اليهود يطوّرون قومية منفصلة، رغم أنف مشرعي قانون القومية بل حتى بمعونتهم. فالشعب المتجدّد يعرف وفقاً للغته ووفقا لحدود الأرض الإقليمية التي يسيطر عليها، وهو سيضم في المستقبل غير البعيد ايضا العرب مواطني اسرائيل. والسؤال هو ‘ذا كان هذا التطوّر سيشبه التطور المأساوي للمستوطنين الهولنديين الذين أصبحوا بوريين، أبناء الأقلية العنصرية البيضاء جنوب افريقيا، أو سيشبه ذاك الذي وقع في الديمقراطيات الكبرى. فسكان نيوزيلندا ليسوا انجليز، رغم أنهم يتحدثون اللغة الأقرب الى الانجليزية، مواطني محافظة كويبك في كندا يتحدثون نوعاً من الفرنسية، ولكنهم ليسوا فرنسيين بل كنديين. مواطنو استراليا هم استراليون، مهما كان أصلهم العرقي ومهما كان دينهم. معظم الناس في العالم يعيشون في مدن آخذة في ان تشبه الواحدة الاخرى، ولذلك فان القول ان “الانسان ليس سوى مضمون مشهد وطنه” يحتاج الى تعديل. ليس وجه الأرض هو الذي يخلق المضمون بل المجتمع الناشئ في أرض إقليمية معيّنة وثقافتها تتغيّر بلا توقّف بتأثير علاقات الإنسان بالإنسان. المجتمع الاسرائيلي في 2018 ليس ذاك الذي كان في 1948، ومضمون الإنسان الذي نشأ فيه ليس ذاك الذي كان في حينه. قانون القومية هو تعبير عن الرجعية، ويشكل مظاهر منازعة حياة الهيمنة اليهودية وليس تعزّزها.” (“يديعوت”، 14/8) على أية حال فإن ما أثار قلق بعض المحللين الإسرائيليين ليس تشبيه إسرائيل بنظام التمييز العنصري السابق في جنوب أفريقيا، فقط، وإنما تشبيهها، أيضاً، بأنظمة قومية وعنصرية، مثل بولندا وهنغاريا، التي تدعم اليمين الإسرائيلي. وعن ذلك يقول زئيف سترنهل: “منذ فترة يعمل رئيس الحكومة الاسرائيلي من أجل دمجنا في الكتلة القومية، العنصرية، اللاسامية، البولندية والهنغارية، عدو الغرب الليبرالي…إضافة الى ذلك، اسرائيل هي دولة نموذجية حيث إن العنصريين البيض في اوروبا يستطيعون فقط أن يتعلموا منها كيفية التعامل مع الأجانب الأفارقة والمسلمين المحليين…هذه رؤية اليمين الإسرائيلي المتطرف والعنصري، والذي يكره الأجانب بصورة لا تقل عن البولنديين والهنغاريين…من هو ليس يهودياً يمكنه أن يكون مواطناً، ولكن هل يمكن وصف وضع يتم فيه قرار يمس “المناطق” ويتخذ في الكنيست بأصوات العرب ويعتبر شرعيا في نظر هذه الحكومة؟ من مثل زعمائنا يفهم الهنغاريين والبولنديين، ومن مثلهم يشمئزون من قيم الغرب العالمية؟!” (“هآرتس”، 14/7)
مشاركة :