متخصصون يحذرون من الصداقة غير المشروطة بين الأم وابنتها المراهقة

  • 8/30/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ترغب أغلب الأمهات بالحصول على ثقة بناتهن المراهقات، وهن لا يترددن من أجل تحقيق هذا الهدف للعب دور الصديقة المقرّبة للابنة، حتى إذا كان هذا الأمر في حدود الادعاء. وعلى الرغم من أن هذا النوع من العلاقات قد يبدو ناجحاً في بعض المواقف، إلا أن علماء النفس يعتبرونه مضرّة لنمو الفتاة العاطفي والعقلي، فهو قد يجعلها تتجاهل شعورها الشخصي كما يحمّلها مسؤولية مراعاة مشاعر الأم وتلبية احتياجاتها النفسية، في الوقت الذي تحتاج فيه البنت المراهقة أمّاً حقيقية تهتم لها ولاحتياجاتها هي، فالأم لا تستطيع أن تلعب جميع الأدوار في وقت واحد، أي أن تكون صديقة وأمّا ولعل الدور الأخير هو ما يناسب الابنة بصورة أكبر وأكثر واقعية، فمن دون الأم لا تستطيع الفتاة أن تحصل على نموذج حقيقي ومثل يحتذى لتكون أمّاً صالحة في المستقبل. تسعى بعض الأمهات إلى الالتزام بكل ما من شأنه أن يقوي أسس الصداقة مع بناتهن المراهقات، بصرف النظر عن أن يكون الهدف من وراء ذلك كسب ثقة الابنة وبالتالي محاولة التطفل على أسرارها الشخصية لمعرفة ما يدور في رأسها أو خلف كواليس حياتها اليومية، التي تتعمد التعتيم عليها بقصد أو بغير قصد. ويستخدم تعبير “أفضل الأصدقاء إلى الأبد” عادة من قبل المراهقات تعبيراً عن علاقة الصداقة الحميمة بين الفتيات، وهن عادة يتبادلن الأسرار ويشاركن بعضهن البعض أدق التفاصيل عن حياتهن العائلية والشخصية. لكن، بتطبيق هذا المفهوم على علاقة الأم بابنتها، لن يعود الأمر له فائدة عملية؛ فالأم هي شخص ناضج وليست نظيرة لابنتها كما أن الفتاة تعد طفلة في هذه السن وتحتاج إلى أن تميز من هو الشخص المسؤول عنها، إذ أنها الطريقة المثلى للشعور بالأمان فيما تمثل أساس احترام الذات وبناء علاقة نفسية سليمة، طالما أن دور الأم يبقيها في موقع السلطة ويحتم عليها اتخاذ القرارات المناسبة في داخل الأسرة ولمصلحة أبنائها، حيث تقع عليها هذه المسؤولية رعاية ابنتها المراهقة وأن تكون موجودة متى احتاجتها، وبالتالي، فهي ليست علاقة تبادلية بطبيعة الحال. أدينا بانك ليز؛ وهي مستشارة وباحثة أميركية متخصصة في تقديم المشورة في حالات الإجهاد النفسي الناجمة عن اضطراب الصدمة، وتعمل اختصاصية اجتماعية إكلينيكية مرخصة، تؤكد على أن حيازة الأم على ثقة ابنتها والمحافظة عليها أمر بالغ الأهمية لعلاقة صحية بين الاثنين، لذلك يصبح من الجيّد التمييز بين ما هو سرّي وخاص؛ فالخاص أمر لا يشكّل خطورة على الطفلة أو المراهقة ولا يهدد سلامتها بأي شكل من الأشكال، فقد يكون شعورا بالحزن لفقدانها صداقة كان لها قيمة مهمة في حياتها. أما الأسرار ففيها ما فيها من مشاعر الخوف، الخجل أو العار ربما، خاصة إذ كانت غير معلنة أو سعت المراهقة إلى كتمانها وعدم الإفصاح عنها حتى لأقرب صديقة، فهذا الأمر من شأنه أن يشكّل خطراً على الصحة النفسية والعقلية. وعلى سبيل المثال، يمكن أن تخبر الابنة المراهقة والدتها بأنها منغمرة في سلوك إيذاء الذات؛ وسببه عجز المراهقة في التعامل مع مشاعر الألم العاطفي وبدلا عن التعبير عنها بطرق صحية، يتسم رد الفعل للاستجابة لها بكونه عنيفا يهدف إلى إيذاء الذات. أسرار تتعلق بالمشاكل الزوجية وثقل المسؤوليات المادية غير جديرة بطفلة مراهقة، وهي غير مهيأة لاستيعابها وسلوك إيذاء الذات يكون في بدايته ألم نفسي، لا يتحمله الفرد ليقوم بتحويله إلى ألم وإيذاء جسدي قد ينتج عنه شعور مؤقت بالراحة سرعان ما يزول، ليعود المراهق إلى حالته الأولى وهكذا. ويمكن أن يرتبط هذا السلوك بمجموعة متنوعة من الاضطرابات النفسية، كالقلق واضطراب الأكل والإجهاد والاكتئاب. هنا، تجد الأم نفسها ملزمة للاستجابة بشكل فاعل، فإذا كانت في موضع الصديق لابنتها وطلبت منها عدم إخبار الآخرين بما تعانيه، كما هو الحال في العلاقة التي تربط بين صديقتين، فإنه تصرف يتسم بعدم النضج والتخلّي عن مسؤوليتها باعتبارها أما تمتلك الحق والدور والقرار في تقديم الحماية للابنة، فإذا لم تمّد الأم يد المساعدة لأبنائها في مواقف كهذه فما هو دورها إذن؟ بمعنى آخر، لا يمكن أن تكون هناك أسرار مشتركة بين الأم وابنتها من زاوية لا تجد فيها أي خطر محدق، فالأسرار ليست ملكاً خاصاً لكنها قد تكون مشكلة تستدعي حلولاً طارئة. وعلى الأم، من ناحية أخرى، أن تبقي موضوع الصداقة في إطار محدد قدر الإمكان ومشروط وأن تشعر الابنة المراهقة بأنه مهما يكن من أمر هذه الصداقة، فإن أي خطر يمكن أن يصيبها أو يقترب منها فإنها ستعلم أحدهم، سيكون الأب هو الشخص المرجح في هذه الموقف، ليقوم بواجبه أو للحصول على مساعدته. وفي المقابل، فإن المهمة التي تقوم بها الابنة المراهقة في محاولة لتحمل عبء أسرار الأم، ستكون مهمة عسيرة يصعب عليها حملها، فأسرار تتعلق بالمشاكل الزوجية والاكتئاب وثقل المسؤوليات المادية غير جديرة بطفلة مراهقة، وهي بالتأكيد غير مهيأة لاستيعابها، فضلاً عن الاحتفاظ بها أو حتى كتمانها لوقت قصير، والأهم من ذلك فهي ليست وظيفتها. في حين، ستصبح العلاقة بين الأم والابنة أكثر نضجاً عندما تكبر المراهقة فتكون راشدة، مع الأخذ في نظر الاعتبار أن تأخذ هذه الصداقة أشكالاً مختلفة، ربما تتبدل الأدوار فتأخذ الابنة دور الطرف الذي يأخذ على عاتقه مهمة توفير الرعاية وتولي واجبات كانت في وقت الطفولة حكراً على الأم، إلا أن الأم فيما يتقدم بها العمر ستكون هي الشخص الذي يحتاج إلى الرعاية وهذا التغيير أمر طبيعي تحتمه الطبيعة.

مشاركة :