كل شيء له وجهان..كالقمر..ظل وضياء..وبالقدر الذي جلعتنا وسائل التواصل الاجتماعي نتقارب أكثر..فقد جعلتنا نتجافى أكثر.لقد انتقلنا من عالمنا الواقعي إلى عوالم أخرى..عوالم نحن نختارها ونحن نصنعها..عوالم نستطيع الولوج إليها أو الخروج منها متى ما أردنا..عوالم تنسجم مع رغباتنا وتوجهاتنا وأفكارنا..فإن انحرف أحدها عن مسارنا أو انحرفنا نحن عن مساره تركناه دون شهقة من ندم أو وخزة من ألم أو تأنيب ضمير أو تحمل تبعات ومسؤوليات وانتقلنا إلى غيره..إنها حقول منوعة..تزخر بأشجار وأشراك وأزهار وأشواك وأنوار وأحلاك..ونحن فيها كالوحوش أو كالصقور أو كالنحل أو كالفراشات أو كالذباب..كلٌّ عرف مطعمه ومغنمه وسبيله.انتقلنا لعالم جعلنا نقرأ بعد أن كنا متهمين بأننا من(أُمّةِ اقرأ التي لا تقرأ)..حتى كبار السن من جداتنا وأجدادنا بدأوا ينقِّرون بأصابعهم على شاشات الهواتف كالدجاج ويمسحون نظاراتهم السميكة كل دقيقة..حتى البلداء الذين كانوا لا يقرأون حتى لافتات الشوارع وتحذيرات المرور أصبحوا يقرأون ويكتبون ويتعلمون التغلُّبَ على أخطائهم الإملائية المزمنة.لقد انتقلنا إلى عالم يسمع رأينا..حتى وإن لم ينصت له..أو لم يعرهُ اهتمامه..المهم أننا فتحنا أفواهنا المغلقة بتعليمات العيب والحرام..وعبرنا عما في دواخلنا..بعد أن كدنا نفقد مهارة التعبير..إنه عالم نستطيع من خلاله إبراز تجاربنا وقدراتنا وميزاتنا..عالم نستطيع فيه أن نشارك الآخرين أحلامنا وآمالنا وآلامنا وخيباتنا..عالم نكون فيه(نحن)لا كما أريد لنا أن نكون..إنه عالم نختار فيه أصدقاءنا ومحيطنا ومجتمعنا..إنه عالم نستطيع أن نختار فيه(عالَمَنا).هذه العوالم الجديدة..لا شك أنها مغرية لنا في هذه المرحلة..بل أكاد أقول بأنها ضرورية..ولكن يجب أن نعلم بأن هناك خسائر فادحة آخذة في التراكم كل يوم..إن لم نعِ ما نصنع..ونحسب خطواتنا..ونتشبث ببعض عقلنا في ظل هذا التيار الجارف.وللحديث بقية في المقالة القادمة..
مشاركة :