من المنغصات التي دخلت إلى الحياة الأسرية إدمان الكمبيوتر ووسائل التواصل، خاصةً من خلال جلسة العائلة، حيث أصبح الزوج والزوجة مشغولين بهواتفهم الجوالة، وهذا للأسف سبب شرخاً في العلاقة بين الزوجين، بل وأثر ذلك على استقرار المنزل. تقول سارة العتيبي: العلاقة الزوجية من أهم العلاقات التي لابد وأن تعطى أولوية من خلال بذل جهد للحفاظ على جودتها، وكثير من يعترف بأنها أولوية لكن اهتمامه لا يعكس ذلك، فقد يؤخذ منك نوع آخر من التواصل، وهو الذي يكون في العالم الافتراضي اهتمام ووقت كبير، مضيفةً: "أصبح هذا النوع من التواصل محور اهتمام أو شاغل كبير لأوقاتنا دون الوعي بتأثيره السلبي العميق وغير الواضح أحياناً، لذلك أول خطوة في الحل هو وعيك بهذا التأثير"، مبينةً أن الشخص يرتبط في عالم التواصل الاجتماعي بأشخاص قد لا تربطه بهم علاقة حقيقية لكن الفضول قاده إلى متابعتهم، وهذا الفضول قاده إلى قضاء الأوقات في متابعة نمط حياتهم، والذي بدوره يجره إلى المقارنة بين ما يملك من سمات شخصية أو مادية وبين ما يملك الشخص المعجب به، مؤكدةً على أن هذه المقارنة المستمرة والتي قد لا يشعر بها قد تخلق لديه شعور بعدم الرضا عن حياته مع شريكه. وأضافت: سيصبح الشخص يتذمر ويقلل من شأن أمور كثيرة كانت تسعده بالسابق أو على الأقل كانت محل تقدير، ذاكرةً أن التذمر يوجد أحياناً في العلاقات الزوجية ولكن بعض المتابعات ستزيد منه، وستجعله الحدث الأبرز في الحياة اليومية، في المقابل ليس الجميع يلجأ إلى التذمر، فهناك من سيفضل بصمت هذا العالم الافتراضي على التواصل مع شريكه، حيث إنه في هذا العالم بلمسة تختار ما يوافقك التفكير ومن يعجبك نمط حياته ومن يضحكك وبلمسة أخرى تحذف من لا يعجبك أو حتى من شعرت بالملل من متابعته، هذا النوع من التعامل في العلاقات لا يمكن أن يكون في الواقع. تواصل سهل وأوضحت سارة العتيبي أن من اعتاد على هذا النوع من التعامل قد يفقد مهاراته في احترام رأي الآخر، سيفضل دائماً التواصل السهل وهو الموجود فقط في وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا ما ينطبق على الشريك المدمن على هذه الوسائل لا يجذبه السماع أو الحديث مع شريكه الذي بطبيعة الحال لن يكون حديثه دائماً مثيراً للاهتمام، وسيلجأ إلى عالمه السهل الذي هو مصمم وفق رغباته، مضيفةً: "من خلال هذا الطرح أعرض تصوري لماذا الأزواج يلجؤون للتذمر أو إلى الصمت وانعدام الحوار؟، وهو بإيجاز أن قضاء وقت طويل على هذه الوسائل خلق لدينا سقفاً عالياً من التوقعات عن الشريك المثالي، وأيضاً حصولك على المتعة في المتابعة لعالم مصمم باختيارك يجعلك لا تجد متعة كبيرة في واقع يحمل جميع الخيارات"، مبينةً أن العلاقة الزوجية لا تحتاج إلى بناء معايير عالية بقدر ما تحتاج إلى معرفة ما هي السلوكيات التي أضعفت العلاقة ومن ثم اللجوء إلى أخرى تعزز قوة العلاقة بدلاً من الهروب إلى العالم الافتراضي. بيئة جديدة وتحدث د. خالد الحليبي -المشرف العام على مركز بيت الخبرة للبحوث والدراسات الاجتماعية الأهلي- قائلاً: من الواقعية في الطرح أن نقول: إن الحاسوب والجوال ووسائل التواصل بيئة جديدة أحاطت بنا جميعاً، وحولتنا من واقعنا الحقيقي إلى واقعها الافتراضي، حتى سماها بعضهم: المواطنة الرقمية، فمنا من ضبط واقع الحياة ونبضها مع هذه المستجدات القاهرة، فاستطاع أن يمتلكها ويستثمرها، ويجعلها من عناصر تقدمه، ووسائل تطوره، دون أن يسمح لها أن تُخلَّ بلوازم حياته، وجدول أعماله اليومي، ولا أن تعتدي على واجباته تجاه ربه وأسرته ووطنه، وذلك بالانتقاء الشديد للمواقع، والمواد التي تستحق عينيه ووقته وحياته وعقله، وتسخيرها لمزيد من الاستقرار الاجتماعي والأمني والمالي والتربوي، فكانت له مثمرة معطية مأمونة، مبيناً أن من الناس من استسلم تماماً لعواصفها الجارفة، فانقادت لها عنقه، وذلت لها روحه، وتضاءلت أمامها عقليته، وضعف أمامها عنفوانه ومروءته، فانساق وراءها تابعاً صغيراً، يتلقى دون وعي، ويتأثر دون اختيار، ويركض خلف كل جديد فيها، حتى وإن اتسعت بها فجوات الجفاء في داخل أسرته، وربما فقد بسببها حتى عمله والحوادث أكثر من أن تحصر. وأكد على أن الحل يكمن في تحديد الموقف من هذه الآلات بكل صرامة وحزم، وعدم السماح لها أن تمتلكه، ولا أن تتحكم في وقته وعلاقاته، ومن الواجب على الآباء أن يربوا على ذلك أولادهم، فيحذروهم من الغوص في هذا المحيط العميق، والموج الصاخب، فيكتفوا بما يعود عليهم بالنفع، ويختاروا الأوقات المناسبة للتعامل معه، ويتجنبوه في غيرها وخاصة إذا كانوا مشغولين بإنجاز مهمة أو مذاكرة أو التزام عمل، منادياً بكل وضوح بتبصير أولادنا بنظام الجرائم المعلوماتية التي ستحد -بإذن الله- من الانزلاق في مهاويها المردية دينياً وأخلاقياً وأمنياً ومالياً. خلافات زوجية وقالت د. فاطمة عبدالله فتح الدين -خبيرة ومستشارة أسرية-: إن سوء استخدام الكمبيوتر ومواقع التواصل الاجتماعي يزيد نسبة زيادة الفجوة والخلافات الزوجية، ففي بداية الأمر حين يستخدم الزوجان الإنترنت قد يكتفوا بساعة واحدة ويصاحب ذلك الشعور بالمتعة والغبطة، ومع تكرار محاولات الاستعمال واكتشاف المواقع المختلفة والمتنوعة والانفتاح على العالم الخارجي يبدأ التحول من حب الاستطلاع والفضول إلى تولد شعور ملح بالحاجة إلى المزيد والمزيد، ومن ثم فقدوا القدرة على السيطرة على أنفسهم، وفي حالة التوقف يشعرون بالقلق والتوتر وحدة المزاج والعصبية الزائدة، أو الخمول وقلة النشاط وعدم القدرة على التعامل مع الضغوط الحياتية اليومية، وكذلك مواجهة المشكلات والشعور بالخواء النفسي والاغتراب والهروب من الواقع والافتقاد إلى الحب، إضافةً إلى حل محل الحوار والنقاش والشك والبعد والانفصال وتجميد العواطف، وقد يصل الأمر إلى الطلاق، مضيفةً أن هذا يُعد من أخطر السلوكيات على الحياة الزوجية وهو يؤثر سلبياً؛ لأنه يهدد السلم الأسري والسكينة والرحمة، ليحل مكانها التشتت والانفصال، مبينةً أنه يمكن للزوجين تقليل الآثار السلبية للاستخدام المفرط للإنترنت من خلال وضع الكمبيوتر في مكان مفتوح وحجب المواقع السلبية وإشباع الحاجات العاطفية المفقودة، وكذلك المصارحة العاطفية بينهم، وطلب الاستشارة من المتخصصين في العلاقات الاجتماعية. فقد السيطرة وأكدت سحر القاسم -أخصائية اجتماعية- على أنه في هذا العصر لا يخلو منزل من أدوات التقنية الحديثة سواء تلفزيوناً أو جهاز جوال أو كمبيوتراً أو شبكات متداخلة من الإنترنت أو مواقع تواصل اجتماعي، يستخدمها الكبار والصغار على حد سواء، متسائلةً: هل استخدام التقنية الإلكترونية والإنترنت والجلوس عليه لساعات طويلة يُعد إدماناً؟، مضيفةً: "تعريف الإدمان لغوياً: هو فقد السيطرة على السلوك، فيعجز المرء عن إيقافه، مثال إدمان الطعام، وإدمان العمل، وإدمان شاشات الكمبيوتر والتقنية الإلكترونية، ففي بداية الأمر تستخدم ساعة أو أكثر ويشعر الشخص بعدها بمتعة، فيكرر المحاولات ليطلّع على ثقافات وأجناس مختلفة، هنا يتحول شعور المتعة والتسلية إلى شعور ملح بالحاجة إلى المزيد والمزيد، ومن ثم فقدان السيطرة مما يؤدي إلى الإدمان"، مبينةً أن أسباب الإدمان الإلكتروني الهروب من الواقع، وعدم القدرة على إقامة علاقات اجتماعية جيدة، وكذلك عدم القدرة على شغل أوقات الفراغ بهوايات مناسبة، وعدم القدرة على التعامل مع ضغوط الحياة، هنا يكمن الخطر على الأسرة بشكل عام والزوجين بشكل خاص، فانشغال أحد الزوجين أو كلاهما يحدث فجوة بينهما تتسع بمرور الوقت، حيث لا يجد أحدهما الوقت الخاص للأسرة، إذ يتواجدون في المكان نفسه إلاّ أن ثمة قصوراً في العلاقة وفتوراً، وتقل الحوارات فيما بينهم، فتظللهم غيوم البرود واللا مبالاة، وهنا يظهر التأثير على الأبناء وتبدأ المشكلات بالظهور، وتبعد العلاقات بين الأبناء والوالدين، ومن الممكن أن يتجه الأبناء إلى الطريق نفسه لشغل أوقات فراغهم أو لطلب من يرشدهم ويحاورهم، باختصار يعيشون تحت سقف واحد لكل شخص عالمه الوهمي والناتج هو تفكك أسري. وأشارت إلى أن من طرق التخلص من الإدمان التخلص من النمطية فيخلق لنفسه أنشطة وهوايات، وأن يشارك عائلته الأنشطة اليومية، ويتّبع أسلوب حياة صحية بتخصيص أوقات للنوم والاستيقاظ، ووقت لوجبات الطعام، وأخيراً يجب أن يتحلى الفرد المدمن إلكترونياً بإرادة قوية بالتغيير ليتغلب على الإدمان، فالتقنية الإلكترونية وجدت مكملة لحياتنا وليست ملغية لها. مواقع التواصل قلّلت من اجتماعات الأسرة
مشاركة :