لم تقف الإعاقة في وجه الإبداع والطموح، بل زادت من الإصرار لتعطي لأصحابها تميّزا وتفوقا في كثير من المجالات.. عظماء ومبدعون وموهوبون عانوا إعاقات مختلفة وخلدت أسماءهم في سماء التاريخ، واستطاعوا أن يقهروا تحدياتهم بالعلم والتعلم في سبيل الوصول إلى مبتغاهم.. ومن خلال هذه الزاوية سنسلِّط الضوء على قصص نجاح ملهمة، سطّرها فرسان الإرادة. ولعل تجربة الطالب الكفيف خالد اللوفان (23 عاما)، تعد نموذجا رائعا للقصص الملهمة، حيث أثبت بعزيمته الصلبة أن النجاح والطموح لا تحدهما إعاقة، وأن اللغة هي أداة حقيقية للاندماج في المجتمع. درس اللوفان وهو كفيف منذ الولادة في مدرسة النور، ويهوى القراءة وعلم اللغويات والفنون والثقافة العامة. وشغفه الشديد لتعلم اللغات دفعه إلى تحدّي ذاته ودراسة اللغة الفرنسية وثقافاتها في كلية الآداب بجامعة الكويت، ليكون بذلك أول مواطن كفيف يدرس الأدب الفرنسي ويجيد الفرنسية كتابة وتحدثا. وقال اللوفان لـ القبس: إن سبب اختياره هذا التخصص يعود إلى أسباب أكاديمية ومهنية، باعتباره من المجالات النادرة والجديدة في البلاد. ولفت الى انه تغلّب على التحديات بسلاح العزيمة والإصرار على تحقيق الطموح، حيث واجه في البداية اندهاش واستغراب الكثيرين، عندما قرر دراسة اللغة الفرنسية، ومع الوقت اقتنع من حوله بأهمية هذا المجال حتى لمس منهم الدعم والتشجيع الدائم. ولَم ينس اللوفان تشجيع عضو هيئة التدريس في قسم اللغة الفرنسية د.يعقوب الشمري له، حيث أشرف عليه في امتحان القدرات، لافتا إلى أن طباعة الكتب بطريقة برايل وتحويلها إلى صيغة الكترونية كانت من أكبر الصعوبات التي واجهته، نظرا إلى تكلفتها العالية. وعن آلية لدراسة، أوضح أنه يعتمد على تسجيل المحاضرات وتدوين الملاحظات في جهاز «البرايل سيننس»، وهو مفكرة إلكترونية تظهر الكتابة بطريقة برايل، كما يستخدم اللابتوب العادي بواسطة برنامج قارئ للشاشة بصوت ناطق، فضلا عن اعتماده على الشرح ومراجعة المنهج والاستعانة بمصادر خارجية على الإنترنت. ولَم يلجأ اللوفان إلى الدروس الخصوصية، بل يستعين احيانا بكورسات في المعهد الفرنسي بالجابرية، إضافة إلى التسجيل في «كورس» لغوي صيفي في المعهد الكاثوليكي في باريس. ويرى أن البيئة الجامعية تسعى لتوفير جميع السبل للمكفوفين، لكنها تحتاج بعض التعديلات العمرانية للتحرّك من دون مرافق، مثنيا على تعاون الكوادر التدريسية والموظفين وجهودهم المستمرة في سبيل حل المشاكل الأكاديمية، مشيرا الى ان عدم وجود كتب مطبوعة بصيغة «وورد» من أبرز المشاكل التي تواجه الطلبة المكفوفين. وعن خططه المستقبلية، كشف اللوفان عن نيته مواصلة الدراسات العليا في قسم اللغويات، الى جانب سعيه لتقوية اللغة العربية القياسية بالاستفادة من النموذج الفرنسي في المحافظة على اللغة القومية. وأشاد باهتمام الكويت ودعمها اللامحدود لذوي الاعاقة، بمن فيهم المكفوفون، سواء الدعم المادي أو التسهيلات المقدمة لهم في الدوائر الحكومية، مضيفا «الكويت لم تقصّر أبدا، لكن نحن نحتاج الثقة في التوظيف، وأن تتاح فرص العمل في كل المجالات، والدورات التدريبية التي تناسب المكفوفين لتمكينهم من الانخراط في الحياة العملية». واختتم حديثه، داعيا إلى أهمية نشر الوعي بحقوق الاعاقة، لا سيما المكفوفين، والنأي عن نظرات الشفقة والعطف التي تدمّرهم نفسيا ومجتمعيا، وتحسين الأماكن والمرافق العامة لتيسير إمكانية الوصول.
مشاركة :