وهج الكتابة: نهاية رجل شجاع

  • 9/2/2018
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

حياتُك دروبٌ ومسالكْ فكل من يسير مثل دربِك هالكْ لفحتك الشوارع ُبنيرانِها المُستبدةِ أضنتك الحياةُ بسياطِها اللافحة وأنت تعمل حلّاقًا وحمّالًا وبحّارًا ومصلّح درّاجات قبل أن تتفرغَ للكتابةِ أنقذتك الكتابةُ من براثنِ الطحن اليومي رفعتك الكتابةُ إلى ذُرى إنسانيتك وأنت رفعت راية الدفاع عن البؤساء والكادحين عَرفت متعة التضحية من أجلِ المُعذَّبين لتصبح أنت والكادحون أنشودةً واحدةً من أجلِ وطنٍ حُر رغم الأشرعةِ المُعذَّبة ِ في العاصفةِ فغدًا سَيأتي الثلجُ من النَافِذة... غَادرنا قبل أيام شيخُ الروايةِ السورية «حنا مينه» مُجسِّدًا بموتِه وبعمق عنوان روايتِه «نهاية رجل شجاع». مضى من دون أن يَمضي بعد معاناةٍ طويلةٍ مع المرض، وبعد رحلة عمرية طويلة بلغت 94 عامًا، حتى خشي أنه لن يموت، وهو الذي شبع - بحسب قوله - من الحياة. غادر تاركًا وراءه الكثير من الروايات والقصص القصيرة التي اتسمت بالواقعية، واصفًا نفسه: «أنا كاتبُ الكفاح والفرح الإنسانيين، فالكفاحُ له فرحه، له لذّته القُصوى، عندما تعرف أنك تمنح حياتَك فداءً لحيوات الآخرين». مات عاشقُ البحر الذي يصفهُ: «البحر كان دائمًا مصدر إلهامي، حتى أن معظم أعمالي مبللةٌ بمياهِ موجه الصاخِب». لعب دورًا رياديًا في الرواية السورية والعربية حتى وصفه بعض النقّاد بأنه يأتي بعد نجيب محفوظ في قائمة كبار كتّاب الرواية العربية. كان مشروع حنا مينه هو كتابة رواية واقعية اجتماعية قابلة للقراءة على أوسع مدى؛ لذلك نجد أن رواياته مقروءة لدى شريحة واسعة من الناس، ربما لأنه يلامسُ البحرَ بقوةٍ وحياة البسطاء والمعذَّبين. كان حنا مينه كاتبًا ملتزمًا مناضلًا من أجل الفقراء، فقد حارب ضد الانتداب الفرنسي الذي عاشته سوريا، وكان يجاهرُ بانتمائه الشيوعي إلّا أنه انسحبَ من العمل السياسي بعد ذلك، وكرّس وقته للكتابة مفضِّلًا أن يكون كاتبًا حرًا من قيود الأحزاب مع البقاء على المبدأ والنضال، وقد حارب بسلاحٍ آخر أمضى من النصل، وهو السلاح الأخطر في معارك الكون إنه الكتابة.. الكتابةُ لا تخذلك إن عشقتها، وتحرقُ أصابعك وروحك إن خنتها. سَاهم حنا مينه في تأسيس رابطة الكتّاب السوريين واتحاد الكتاب العرب في دمشق في خمسينيات القرن الماضي. وألّف أكثر من أربعين رواية أشهرها، المصابيح الزُرق، الشراع والعاصفة، والياطر، ونهاية رجل شجاع، والشمس في يوم غائم، وبقايا صور، والرجل الذي يكره نفسه، والولاعة، وحارة الشحاذين، والمرأة ذات الثوب الأسود. ويذكر أن الكثير من أعماله تحولت إلى مسلسلات تلفزيونية. حنا مينه أدّى دوره وأكثر، نقش حلمه على موجِ البحر، وعلى الشواطئ، وفي القلوب، حتى شعر في نهاية الطريق بالتعب وتفاهة البقاء حيًا في هذه الحياة التي شبع منها، أخذ منها ما أخذ، وأخذت منه ما أخذت، وكان ينتظر أن يغادرها منذ زمن؛ لذلك كتب وصيته منذ حوالي عشر سنوات (الوصية منتشرة في كل المواقع)، لكنه لم يمت رغم رغبته العميقة في الرحيل، حتى أن إشاعة موته قد تكررت مرات عديدة، وظل صامدًا في يأسه مما حوله من مهازل وحروب، لكن المرض هزمه في النهاية. Alqaed2@gmail.com

مشاركة :