على أرصفة الجمر يهرولون، يصرخون بصمت، ويرفضون التنحي رغم العواصف، تشعر غير مرة أنهم سيرفعون الراية البيضاء، وتتعجب لقدرتهم على قلب الطاولة في عز انكسارهم. تتطاير منهم أوراقهم الواحدة تلو الأخرى، ويزدادون تماسكا، عجبت لصلابتهم في مواقف ينهار فيها مجاميع، وهم فرادى يواجهون الإعصار، ولا يغرقون. يبتسمون وسط الصراخ, ويضحكون والخناجر تغازل ظهورهم، تحسبهم من كثر الثقة أنهم سائحون في حديقة خضراء، والأصل أن أمواج البحر متلاطمة حول قاربهم. يقولون إن الكثرة تغلب الشجاعة، ولكن عندما يتواجد في المشهد من يهرول على رصيف الجمر دون أن يحترق تتبدل تلك المقولة، فتنتصر الشجاعة رغم إعصار (الكثرة). لا أعرف كيف يفكرون، والسهام المشروعة وغير المشروعة تأتيهم من موضوعية الموقف تارة، وتأجيجه تارة أخرى، وما بينهما مسافة من المنطق والنفع. في حساباتهم ليس هناك ربح وخسارة، ولا غالب ومغلوب، فالمعركة بالنسبة لهم عشق كيان، وحتى تثبت مقولة (ومن الحب ما قتل) علينا أن ننتظر نهاية رجل شجاع، أو قلب الطاولة كما هو معتاد. نعرفهم عن قرب، ويخيل لنا أننا نحفظ أسلوبهم وردة فعلهم، لكننا نفاجأ كثيرا بأن ما نعرفه ليس سوى نقطة من بحر في صلابتهم، وقد ندهش أكثر أنهم وسط الزحام، يعتبرون الطريق (فاضي). ننتظر مشهدهم الأخير، هل يكون نهاية لبداية، أم بداية لنهاية، فكل السيناريوهات مفتوحة، لرجل شهم، مهما اختلفت الآراء حوله. بصراحة أنا مندهش لقوة من المفترض أن تنهار، ولشمس شارفت على الغروب، ولقمر بدأ يجابه ظهور خيوط الفجر، ولكن لا القوة تلاشت، ولا الشمس غربت، ولا القمر تضاءل ضوؤه. في ملفه قضية يقف فيها محامي الدفاع حائرا، والنائب فاتح فاه، والمدعي دايخ سبع دوخات، والقاضي يرتب اندهاشه..!!
مشاركة :