لطفي زيتون عقل النهضة الذي يستمد قوته من التصاقه بالغنوشي

  • 9/2/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

سادت المشهد السياسي التونسي تموّجات ضربت قاعدة الأحزاب وأنهكت الفاعلين فيها، فيما أخذ سجال ضآلة الخطاب أحزابا أخرى إلى دائرة التشظي والتفكك. لكن أن يظل الحديث موجّها إلى صراع أجنحة داخل أكثر الأحزاب انضباطا وقدرة على التظاهر بالتماسك، وفق رؤية البعض، فذلك يبقى محيّرا لأكثر المنتقدين لدائرة الفعل السياسي ودروبه الأخاذة إلى عوالم من الفعل المأزوم الذي طبع القواعد والفاعلين فيها بأشكال ورؤى مختلفة. من بين هؤلاء قيادي بحركة النهضة التونسية خَبرَ التونسيون سكوته كما انفعالاته عن قرب بعد ثورة يناير 2011. يوصف بغريب الأطوار. غامض، سريع الرد على خصومه. يجادل البعض حول طريقة خروجه على النص في غالب الأحيان، فيما يعتبره آخرون تكتيكا لقيادي متمرس خبر السير على حبال التناقضات مع كل أزمة تعيشها تونس. لكن بين هذا وذاك يظل شخصية استثنائية بين أغلب القياديين الذين تعاقبوا على الحركة وخبروا ماضيها سواء في فترة المنفى ببريطانيا أو بعد الرجوع إلى تونس وتولي الحكم بعد الثورة. تهيئة الأصولية الفكرية هو لطفي زيتون، المستشار السياسي لرئيس الحركة راشد الغنوشي المولود بتونس العاصمة في العام 1964. إعلامي وباحث متخصص في السياسة والتاريخ. زاول تعليمه الابتدائي بمدرسة سيدي علي عزوز ثم بالمعهد الفني بالعاصمة، لكن الاعتقالات التي تعرض إليها حالت دون إكماله لدراسته الجامعية في تونس. حيث اعتقل في مرة أولى على إثر الأحداث التي تلت مقتل الطالب عثمان بن محمود في أبريل 1986 ثم سجن مرة ثانية. ثم انقطع مرة أخرى بسبب الحملة التي شنها نظام بن علي على ناشطي حركة النهضة. الخطوات الأولى لزيتون كان منطلقها من الجزائر التي بدأ منها رحلة المنفى عام 1990 وعمل هناك مراسلا لبعض الصحف العربية، لكن تصاعد الضغوط التونسية على السلطات الجزائرية من أجل تسليمه هو ورفاقه اضطره إلى مغادرتها نحو بريطانيا عام 1992. أين واصل عمله الصحافي وتحصل على دبلوم اللغة الإنكليزية والتحق بالجامعة من جديد ليكمل تعليمه أين تحصل على بكالوريوس الحوكمة والتاريخ السياسي من جامعة شرق لندن. ثم تحصل على الماجستير في نظريات العلاقات الدولية من جامعة كانتربري ببريطانيا. شغل زيتون موقع مدير مكتب رئيس حركة النهضة. كما كان عضوا في المكتب الإعلامي والسياسي للحركة بالمهجر خلال التسعينات. وفي سنة 2000 التحق بالمكتب التنفيذي ومجلس شورى حركة النهضة في المهجر وشغل منصب رئيس تحرير مشارك لفصلية “مراصد” التاريخية. كما تقلد منصب نائب رئيس تحرير قناة “الحوار” الفضائية اللندنية. وبعد ثورة يناير وعودته إلى تونس شغل زيتون خطة مستشار سياسي لدى حكومة الترويكا الأولى برئاسة حمادي الجبالي. ويشغل الآن خطة المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي. ولا تغيب عن التونسيين تلك الصورة التي ارتسمت عن زيتون وأغلب القيادات المحسوبة على خط الغنوشي في حركة النهضة التي طبعت المشهد السياسي في تونس مباشرة بعد سقوط نظام بن علي. شغل الرجل الرأي العام بطريقة كلامه وحملات التجييش التي كان يشرف عليها شخصيا مع كل معترك حاسم تجد النهضة نفسها مجبرة على خوضه خصوصا قبل فترة الانتخابات. ترك هذا القيادي انطباعا راسخا لدى الدوائر القريبة من حركة النهضة وجميع السائرين في هديها في تلك الفترة بأن الصراع الآن بات صراع وجود. ولا فكاك لمن لم يقو على دخول هذه الدائرة إلا بتغيير الهيئة وضبط الهندام وطباعة إشارة الصلاة على الجبين أملا في نيل رضا الشيخ وتوقا إلى مغازلة الخصوم ومباركة الأفعال التي كانت تصب جميعها في وادي الإسلاميين ومن سار على دربهم. أوساط المعارضة لا تتردد في وصف زيتون بأنه الشخصية الأكثر صدامية في حركة النهضة الإسلامية خصوصا في الفترة الأولى من حكمها، فتشير إلى أنه الملهم لمناصريه لا سيما في صفحات التواصل الاجتماعي من أجل مساندته في معركته ضدّ من يعتبرهم خصوما هكذا هي صورة المشهد السياسي الذي أتى بزيتون ومن معه إبان فترة مغادرة بن علي للبلاد وبقاء الدولة بين مطرقة المعركة الشرسة بين دعاة التقية من الإسلاميين العائدين من الخارج وسندان المجموعات اللاهثة وراء التركة الضائعة ممن عاش منهم مع النظام وخبر أهواله في الداخل. يثير زيتون الكثير من الجدل داخل الأوساط الإعلامية في تونس. تصفه بعض المصادر بأنه المتمرّد الذي لا يتردّد بلباقته المفقودة في استفزاز الصحافيين والإعلاميين من خلال تصريحاته النارية التي لا تخلو من التهديد والوعيد وكيل الاتهامات دون تمييز. فيما يؤكد رؤساء تحرير عدد من وسائل الإعلام أنه ظل يمارس ضغوطا عليهم ويتهم إعلام ما بعد الثورة بأنه “إعلام العار” ويسعى جاهدا لإجهاض الثورة، إضافة إلى همس جهات أخرى بأنه كان على علاقة بتدبير اعتصام مؤسسة التلفزيون التونسي الشهير الذي نادى بطرد العديد من الوجوه المحسوبة على النظام السابق ضمن حملة قادها زيتون ومن معه وحملت عنوانا كبيرا “تطهير الإعلام”. لقد أغوتنا السلطة لا تتردد أوساط معارضة في وصف زيتون بأنه الشخصية الأكثر صدامية في حركة النهضة الإسلامية خصوصا في الفترة الأولى من حكمها، فتشير إلى أنه الملهم لمناصريه لا سيما في صفحات التواصل الاجتماعي من أجل مساندته في معركته ضدّ من يعتبرهم خصوما. تقف تلك الأوساط عند حادثة هامة ارتبطت بزيتون وهي تهجّمه على الإعلاميين واصفا إياهم باليتامى بطريقة ساخرة، قائلا “هم يعيشون حالة من الحزن الشديد لغياب ولي نعمتهم بن علي، ونحن نتفهّمهم ونعزيهم، ولكن أنا أسألهم إلى متى سيظلون حزانى”. وأضاف أن الحكومة في مواجهة مع صعوبة ثالثة بعد الإدارة والقانون هي الإعلام “الفاسد”، الذي نسي دوره الحقيقي وهو الإعلام وتقديم خدمة للشعب وأصبح يلعب دور المعارض. ويشبهه عضو الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال “الهايكا” السابق ورئيس نقابة الصحافيين التونسيين الحالي ناجي البغوري حينها بأنه وزير الإعلام غير المعلن. البغوري قال إن زيتون يتصرف بصفته وزير إعلام، وهو بصدد تكرار ممارسات عبدالوهاب عبدالله من خلال اتصاله بالمسؤولين على وسائل الإعلام وهجماته المتتالية على هيئة الإعلام وعلى أي طرف يعمل على النهوض بالقطاع. وفي أول تعليق ساخر رد زيتون على من شبّهوه بعبدالله، مستشار بن علي السابق والذي يتهم بتدجين الإعلام، قال إنه أخذهم الحنين له، داعيا إياهم إلى التأقلم مع الوضع الجديد. الواقف على شخصية زيتون يلحظ جانبا من انسياق الرجل الأعمى وراء أهواء السلطة وإغراءاتها المؤدية إلى متاهة المهاترات والبحث عن تقمص دور البطل مع كل لحظة فارقة يجد فيها هذا القيادي أمام تحدي من يعتبرهم أعداء متواطئين رغم أنهم، وهذا لا يبرّئ الكثير منهم، كانوا مجندين كغيرهم في خدمة نظام كل مفاتيح الأمر والنهي بيده. غاب عن زيتون كما عن غيره أن الآلية التي أتت به ليحكم ويتحكم بمصير هؤلاء ربما تضعه يوما أمام اختبار كهذا. يجد هذا الكلام صداه في مؤلف لعبدالجليل بوقرة صادر عن دار آفاق برسبكتيف للنشر بتونس يحمل عنوان “لطفي زيتون، سيرة ابن نقابي عاشوري أصبح نهضويا” وفيه يسجل الكاتب اعترافا لزيتون يقول فيه “لقد أغوتنا السلطة واكتفينا بتشكيل حكومة مع حزبين فقط قبلا التعامل معنا ولم نبذل ما يكفي من الجهد لإقناع الرافضين والمتردّدين، وتخلّينا عن روح 18 أكتوبر، ذلك الميثاق الذي وحّد بين الإسلاميين والديمقراطيين والذي يبقى من أرقى ما أنتجته النخب السياسية بتونس”. لكن رغم محاولات زيتون تبرئة الحركة من نهج المغالاة والذهاب بعيدا في رؤيتها وعدم فهمها للواقع التونسي بعد ثورة ألهبت العالم بقوله إن “النهضة وحدها لا تتحمل مسؤولية ذلك الانقسام والابتعاد عـــن روح 18 أكتوبر بل اختار نجيب الشابي طريقا منفردا رغم كونه يعتبر من أهم منشطي حركة 18 أكتوبر شكلا ومضمونا”، فإن العديد من المتابعين للمشهد السياسي في تونس يؤكدون على أن ما كانت تحتاجه تونس فعليا هو الاهتمام بمصير شعب خاطب العقول قبل البطون بشعارات تظل في مخيلة كل تونسي “شغل.. حرية.. كرامة وطنية”، لا بثقافة التعويض عن أيام المحن والتباكي على النضال الضائع والسير وراء ثقافة الغنيمة. مسار التسويات الضرورية محاولاته تبرئة حركة النهضة من نهج المغالاة والذهاب بعيدا في رؤيتها وعدم فهمها للواقع التونسي بعد ثورة ألهبت العالم يتوجها لطفي زيتون بقوله إن "النهضة وحدها لا تتحمل مسؤولية ذلك الانقسام والابتعاد عـن روح 18 أكتوبر" محاولاته تبرئة حركة النهضة من نهج المغالاة والذهاب بعيدا في رؤيتها وعدم فهمها للواقع التونسي بعد ثورة ألهبت العالم يتوجها لطفي زيتون بقوله إن "النهضة وحدها لا تتحمل مسؤولية ذلك الانقسام والابتعاد عـن روح 18 أكتوبر" القول بأن حركة النهضة لم تستفد من تجربة الحكم في تونس حد اللحظة معولها في ذلك التقلب مع كل ظرفية حرجة تجد نفسها فيها مجبرة على خوضها، يظل اعتقادا راسخا يحرك أبرز قيادييها بينهم زيتون للدفع باتجاه أن تتراجع الحركة عن مظاهر التجييش والدخول طوعيا في خوض الاختبار الأهم، وهو التمسك بمشروع الحزب المدني. فيما يقر مهتمون بمسار الحركة بأن الظرفية العامة، وخصوصا نهاية تجربة الإخوان في مصر عام 2013، كانت السبب الرئيسي وراء نزع النهضة لثوب الجماعة والتلحف برداء المدنية. وراء هذا التراجع عن الوقوف في الصفوف الأولى، بخلاف الظرفية الإقليمية المتقلبة، تقف مراجع مطلعة على أسرار الحركة عند بعض القياديين الذين يهندسون سياسيات النهضة من الداخل بينهم زيتون. تقر هذه المراجع بأن زيتون ظل من بين القياديين الذين كانوا يدفعون بشدة نحو دخول الحركة مسار التسويات. يقول زيتون “أن يمضي الإسلاميون في إعادة تأسيس مشروعهم بما يضمن الفصل التام والصارم بين الحركة الإسلامية.. وهي حركة بعيدة عن المنافسة السياسية والصراع على السلطة تتوجه إلى المجتمع لخدمته ورعاية مصالحه تقف على الحياد أو ما يقرب منه بين مختلف التيارات السياسية، وفي المقابل يتأسس حزب يترجم أفكار الإسلاميين إلى برنامج سياسي واقتصادي خال من أي إشارة للمقدس”. لا غرابة إذن في أن يجد البعض تفسيرا لما أصبح يسبغ مخيلة هذا القيادي ومنطوقه الخارج للناس من هدي في الحديث وتمثلات في الرؤى مع كل دعوة تلفزيونية أو برنامج إذاعي، على قلتها في الفترة الأخيرة، يحتاج فيه لأخذ رأيه في مسائل تهم الحركة وطبيعة توجهاتها نحو تعديل مواقفها، فيما يعلّق خصومه حتى من داخل الحركة نفسها بأن كل ذلك لا يمكن إدراجه سوى في خانة الأقوال وبأن الرجل دائم التغريد خارج السرب. الواقف على خط النار المتابع لمسار الأحداث يجد أن هذا القيادي يقف على مسافة من بعض القياديين البارزين الذين وإن بدت خصوماتهم معه معلنة وأصبحت متداولة على وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة، على غير ما جرت عليه العادة، إلا أنها في جانب منها تكشف عمق الأزمة التي تحرك الصراع الخفي للأجنحة الفاعلة داخل حركة النهضة. يسير زيتون في معظم مواقفه عكس ما يرتّب داخليا ويخرج أحيانا عما هو مدون ومكتوب في دفاتر الحركة. هذا معلوم وخبره الجميع، لكن أن يتعاطى مع بعض الملفات المصيرية والتي يبدو موقف قيادة الحركة منها محسوما، فذلك ما يراه محللون وقوفا على خط النار وذهابا في الاتجاه المعاكس لما دأبت عليه الحركة طوال مسيرتها. هذا الكلام يجد صداه في ما قاله القيادي في حركة النهضة محمد بن سالم مؤخرا بأن المستشار السياسي للحركة لطفي زيتون يغرد خارج السرب منذ مدة طويلة وأنه قدم العديد من المواقف المختلفة في العديد من المسائل على غرار مسألة الاستقرار السياسي والاستقرار الحكومي. تصريحات بن سالم استنكرها زيتون ورد عليها في تدوينة نشرها على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، قال فيها “محاولات لتأسيس بوليس رأي في حركة النهضة”. وتأتي تصريحات بن سالم في سياق الجدل الحاصل حول تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة واختلاف المواقف حوله داخل حركة النهضة نفسها، حيث كان زيتون خالف الجميع معبرا عن مساندته لرئيسة اللجنة بشرى بلحاج حميدة أمام الحملة التي تتعرض لها بخصوص التقرير المذكور. زيتون قال عبر تدوينة في فيسبوك ”كل التضامن مع بشرى بلحاج حميدة، نريد تونس للجميع، تونس تتغير، العديد من النقاشات، وجهات نظر مختلفة، كل ذلك على ما يرام لكن منذ نشر تقرير لجنة الحريات قرأت الكثير من التعليقات غير المقبولة ضد أعضاء اللجنة”. الواقف على شخصية زيتون يلحظ سيرها عكس التيار بخطاب مزدوج أحيانا وخروجا عن النص أحيانا أخرى وهي شخصية يصعب فك طلامسها لجهة المغالاة في الذهاب بعيدا عن السائد والعادي والمنتظر أن يخرج للناس. حالة زيتون تعبير عن صراع أجنحة حقيقي بات يطبع قواعد حركة النهضة من الداخل في الفترة الأخيرة سرعان ما باتت مفاعيله تظهر للجميع رغم أنها بادية منذ فترات فيما يقدر محللون ذلك ويصنفونه في خانة الأزمة الشاملة التي تسير الحركة نحوها مردها محور الرئاسة بعد خروج الغنوشي.

مشاركة :