بيروت – تربط أوساط سياسية لبنانية عودة ضغوط حزب الله اللبناني بشأن التسريع في تشكيل الحكومة باقتراب موعد صدور قرارات للمحكمة الدولية بخصوص عملية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري المتورط فيها الحزب، وأيضا بحزمة العقوبات الأميركية ضد طهران والتي تشمل حظر تصدير النفط وما قد يخلفه ذلك من ردود فعل إيرانية، قد تأخذ المنطقة نحو منزلق خطير. وتعتبر هذه الأوساط أن من صالح الحزب تحقيق الاستقرار السياسي داخل لبنان، حتى يستطيع التركيز على التحديات الخارجية المتعاظمة، بدءا من الساحة السورية مرورا بالعراق وصولا إلى اليمن، وليس كما يسوق له على أن هذه الاستفاقة ناتجة عن الوضع الاقتصادي المتدهور، خاصة وأن خبراء محليين اعتبروا أن الاقتصاد في لبنان وإن كان يمر بمرحلة دقيقة بيد أن ذلك لا يعني أنه في خطر. ويشهد لبنان منذ مايو الماضي أزمة في تأليف الحكومة، نتيجة الصراعات الدائرة على الحصص الوزارية، رغم المساعي المحمومة لرئيس الوزراء المكلف سعد الحريري لإيجاد توليفة تلقى قبولا من الجميع. ويدرك حزب الله أن تسهيل ولادة الحكومة لا يمكن أن يمر دون الضغط على حليفه التيار الوطني الحر، وهذا ما يفسر وفق الأوساط انتقاد نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم الضمني لرئيس التيار جبران باسيل حين اعتبر أن معركة رئاسة الجمهورية لا تمر عبر الحكومة الجديدة. وقال قاسم خلال حفل تخريج لطلاب “معاهد الآفاق” أقيم في النبطية، بحضور شخصيات وفاعليات سياسية وتربوية وثقافية وأهالي الطلاب، “الحكومة هي ضرورة ملحّة في هذه المرحلة سياسيّا واقتصاديّا واجتماعيّا، وقد ضاق الوقت ويجب أن ننتهي وننجزها لمصلحة الناس”. وأشار إلى أنه “إذا كان البعض يظنّ أنّ ربط تأخير تشكيل الحكومة بالخارج أو بأزمات الخارج يؤدّي إلى حل، فنقول له لا إنّما ذلك يؤدّي إلى المزيد من التعطيل، وإذا كان البعض يربط تشكيل الحكومة برئاسة الجمهورية ويعتقد أنّ موقعه داخل الحكومة يهيئ له أن يكون رئيسا للجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي فهو واهم”. واعتبر قاسم أن “رئاسة الجمهورية لم تكن يوما في لبنان مرتبطة بتشكيل الحكومة، فقبل انتخاب رئيس الجمهورية كانت دائما تحصل تداخلات محلية وإقليمية ودولية وأحيانا يكون الحل غير متوقّع قبل 5 أشهر من موعدها، وبالتالي رئاسة الجمهورية لها مسار آخر عندما يحين وقتها. فلا تضيعوا الوقت على أحلام لا يمكن أن تتحقّق من خلال الحكومة”. هاشم صفي الدين: مؤسسات دولية معتبرة تتحدث عن وضع اقتصادي كارثي فماذا تنتظرون؟ هاشم صفي الدين: مؤسسات دولية معتبرة تتحدث عن وضع اقتصادي كارثي فماذا تنتظرون؟ ويعد رئيس التيار الوطني الحر الذي يتولى أيضا منصب وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال أحد المعرقلين الرئيسيين للتسوية الحكومية في ظل إصراره على تحجيم كل من الحزبين القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي، فيما بدا بالنسبة لكثيرين أن ذلك يندرج في سياق معركة مبكرة على موقع رئاسة الجمهورية. ولقي باسيل دعما واضحا في البداية من حزب الله خاصة في ما يتعلق بحزب القوات الذي ينظر له على أنه خصم عنيد وجب تحجيم حضوره الحكومي والسياسي، بيد أن التطورات الإقليمية وتزايد حدة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران وقرار المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري المقرر أن يصدر في منتصف سبتمبر الجاري، إلى جانب اقتراب معركة إدلب في شمال غربي سوريا والتي لا يعرف كيف ستكون نهاياتها، كل ذلك يدفع الحزب إلى تغيير سياسته تجاه تسريع تأليف الحكومة. ويشير مراقبون إلى أن تصريحات نعيم قاسم هي رسالة واضحة لباسيل بشأن ضرورة تعديل موقفه وتسهيل ولادة الحكومة العتيدة، خاصة وأن الأطراف المقابلة تعاطت بإيجابية وحس واضح بالمسؤولية منذ البداية، وأن الاتهامات بالعرقلة موجهة أساسا له وللحليف البرتقالي (التيار الحر). وكان حزب القوات قد تراجع عن موقفه لجهة القبول بأربع وزارات من دون التمسك بمنصب نائب رئيس الوزراء أو وزارة سيادية، أما في ما يتعلق بالحصة الدرزية فإن رئيس حركة أمل نبيه بري قد تولى مسؤولية إقناع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بتعديل موقفه وسط ترجيحات بأن يقبل الأخير الحصول على وزارتين فيما الوزير الثالث سيكون مقربا منه. ويشير مراقبون إلى أن الكرة تبدو الآن في ملعب رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل، وربما تصريحات قاسم من شأنها أن ترفع الغطاء عن الأخير وتدفعه إلى إبداء مرونة أكثر خاصة وان الوضع الإقليمي لا يسمح باستمرار التعثر الحكومي. وقال رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله هاشم صفي الدين الأحد “سوف نبقى نتفاءل بتسريع تشكيل الحكومة للوصول إلى مطالب الناس، هؤلاء الناس الذين ملوا كثيرا من الكلام بلا طائل وبلا فائدة وبلا جدوى، وهذا مع الأيام سوف يجعل الناس يميزون تماما بين من يخلص لوطنه وبين من يتوسل المنصب من أجل مكاسب خاصة أو فئوية أو طائفية أو ما شاكل، المطلوب العمل فكما نقرأ وتقرأون في كل يوم هناك مؤشرات خطيرة جدا على مستوى الوضع الإقتصادي. مؤسسات دولية معتبرة تتحدث عن وضع اقتصادي كارثي مقبل عليه لبنان فماذا تنتظرون؟ ولماذا هذا التباطؤ؟”. وتابع “نسمع أن هناك خطوات قد بدأت.. نسأل الله تعالى أن يتم التعجيل في هذه الخطوات للمزيد من تحمل المسؤولية لمعالجة القضايا”. وسبق وأن حذرت مؤسسات دولية من تدهور الوضع الاقتصادي في لبنان، في ظل استمرار فشل تشكيل الحكومة، وقد اعتبر البعض في لبنان أن هذه عملية تهويلية لدفع اللبنانيين إلى التعاطي بجدية أكثر لحل العقدة الحكومية. وحذر البنك الدولي، الذي قدم للبنان أكثر من 4 مليارات دولار في مؤتمر “سيدر” بفرنسا، في وقت سابق من دقة وضع الاقتصاد اللبناني، خصوصا في ظل وجود قروض عالقة في أدراج مجلس الوزراء أو البرلمان، بانتظار تحويلها لاستثمارات فعلية. ويقدر الدين العام في لبنان بـ82.5 مليار دولار، أي ما يعادل نسبة 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ويحتل لبنان بذلك المرتبة الثالثة على لائحة البلدان الأكثر مديونية في العالم.
مشاركة :