أكد الرئيس اللبناني ميشال عون، «أن لبنان لم ينقسم طائفياً على رغم انقسامه سياسياً في الآونة الأخيرة بسبب حروب الجوار، وارتفعت الأصوات فيه ولكنه لم ينحرف نحو العنف، وكان الخطاب لاهباً ولكن لهيبه لم يشعل النار»، لافتاً إلى أن «أولوياتي مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والمحاسبة، لكن العمل الأساسي سينطلق مع الحكومة الجديدة التي تقع على عاتقها مسؤولية تطبيق خطة النهوض الاقتصادي ومقررات مؤتمر «سيدر»، لإرساء الاستقرار في البلاد». كلام عون جاء خلال القائه كلمة في الجلسة العامة للبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، قال فيها: «إن قوة هذا الصرح الديموقراطي تكمن في بناء السلام الحقيقي في القارة الأوروبية وانتفاء نزعة الحرب لحل المشكلات»، مضيفاً: «في هذه المرحلة، التي خفت فيها صوت الإنسانية وتخطت مصالح الدول الكبرى أقصى الحدود على حساب العدالة والتضامن الانساني، لا نجد إلا في الحوار والاحترام المتبادل والعودة إلى تطبيق المبادئ، سبيلاً إلى تبريد محركات العنف والحروب والتطرف التي جعلت من منطقتنا أتوناً مشتعلاً بالكراهية، والخوف، والاضطرابات. فالحروب، وإن يكن الاقتصاد محركها الحقيقي، إلا أنها تحتاج أرضية متفسخة متخلخلة جاهزة لتقبل الاشتعال. وليس هناك أفضل من إذكاء نزعة التعصب والتطرف المذهبي والطائفي والعرقي ورفض الآخر لإحداث التفسخ المطلوب وإشعال الحروب»، ولفت إلى أن «ما يحيط بنا اليوم، يجعلنا أكثر تمسكاً بالأسس التي نشأت عليها دولة لبنان، وعلى رأسها النظام الديموقراطي الذي، وعلى رغم بعض الشوائب التي ما زالت تعتريه، التقت حوله مكونات الشعب اللبناني، وعكس في جوهره رسالة لبنان، بلداً للتعايش والتنوع والغنى الحضاري والثقافي». وتابع: «عندما شذ البعض وجنحوا نحو التطرف والفكر التكفيري سرعان ما لفظهم مجتمعهم وبيئتهم، فالمجتمع اللبناني بطبيعته ليس بيئة حاضنة للتطرف ورفض الآخر، واحترام حرية المعتقد والتعبير والرأي وحق الاختلاف هي جزء من ثقافة اللبنانيين. هذه الخصوصية اللبنانية تساعد لبنان على تخطي مشكلاته وعلى ترسيخ سلامه واستقراره. وفي هذا السياق، يثمن لبنان عالياً الوعي الأوروبي لفرادته والذي عبر عنه البرلمان الأوروبي بتأكيده ما يتمتع به لبنان من خصوصيات وتنوع ديني وبأنه أعرق ديموقراطية في الشرق الأوسط حيث يتقاسم السلطة فيه مناصفة المسلمون والمسيحيون، ما يجعل من لبنان نموذجا للتعايش السلمي يجب تعزيزه ودعمه ليستمر كذلك». وإذ لفت عون إلى أن «لدى وطننا الكثير من التحديات التي تواجهه، وعلى رأسها، الأوضاع الاقتصادية الصعبة. وقد أطلقنا في الفترة الأخيرة الخطوط العريضة لخطة اقتصادية متناغمة مع مقررات مؤتمر «سيدر»، قال: «لقد تحمل لبنان عبء أزمات المحيط، اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، وتسلل الإرهاب إلى جروده الشرقية والشمالية جاعلاً منها منطلقاً لعملياته الدموية في الداخل اللبناني، إلى أن قام جيشنا بعملية عسكرية نوعية، دحر خلالها الإرهابيين وتابع مع سائر الأجهزة الأمنية المختصة استئصال الخلايا الإرهابية النائمة حتى تم القضاء عليها نهائياً، وتحقق للبنان الأمن والاستقرار». وزاد: «يبقى النزوح، وخصوصاً السوري منه، من أكثر تداعيات حروب دول الجوار ثقلاً علينا، اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً... لا بد أن تدركوا بسهولة مدى العبء الذي نتحمله، في وقت لم يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته لدعم لبنان في التخفيف من تأثير هذا النزوح». ودعا إلى «تفعيل قرارات الدعم المادي التي اتخذت خصوصا في مؤتمر بروكسيل على رغم تحفظنا عن بعض ما جاء في بيانه الختامي، والمتعلق خصوصاً بمسألة العودة الطوعية للنازحين وربطها بالحل السياسي». وتابع: «إن لبنان، يسعى إلى تأمين العودة الكريمة والآمنة للنازحين إلى ديارهم، ويرفض أي مماطلة في هذا الشأن، ويؤيد كل دعم لحل مسألة النزوح السوري المكثف إلى أراضيه، على غرار المبادرة الروسية، ويرفض ربطها بالحل السياسي الذي قد يطول أمده»، مذكراً بأن «الشعب الفلسطيني لا يزال منذ عام 1948 يعيش في المخيمات في دول الشتات، وخصوصاً في لبنان، بانتظار الحل السياسي وتنفيذ القرار 194، وها هي ملامح هذا الحل بدأت تظهر بعد 70 عاماً من الانتظار منبئة بمشروع التوطين، وكأن المجتمع الدولي يعتمد سياسة وهب ما لا يملك لمن لا يستحق». وأردف: «يصادف اليوم ذكرى 11 أيلول (سبتمبر) الحدث الذي غير مسار أحداث العالم، خصوصاً بعد أن أعلنت الولايات المتحدة على إثره الحرب على الإرهاب واعدة بتحرير العالم منه، وبالحرية والديموقراطية للشعوب، ولكن الذي حصل، وبعد 17 عاماً ولغاية الآن، أن محاربة الإرهاب تلك عممت الإرهاب على كل العالم عوض أن تقضي عليه». ورأى أن «السياسات الدولية التي لا تزال معتمدة في الشرق الأوسط تزيد النقمة وترفع منسوب التطرف وتفسح المجال واسعاً للعنف والإرهاب. لا شك في أن هذه السياسات الخالية من مقياس العدالة، تؤدي إلى التشكيك بصحة تطبيق الديموقراطية في الدول التي تعتبر رائدة في اعتمادها إياها نظاماً سياسياً». وقال: «من نتائج هذه السياسة أنها دفعت بإسرائيل إلى تهويد القدس وإعلانها عاصمة لها، ضاربة عرض الحائط بالقرارات الدولية، وبالتصويت في مجلس الأمن وفي الجمعية العامة. وهي لم تكتف بذلك، بل أقرت قانون «القومية اليهودية لدولة إسرائيل. واستكمالاً له أتى القرار الأميركي الذي اتخذ أخيراً بحجب التمويل عن وكالة الأونروا، وهو بداية لفرض التوطين على الدول المضيفة للاجئين ومنهم لبنان الذي يحظر دستوره التوطين والتجزئة والتقسيم، وهو يرفض هذا الواقع أيضاً من أجل العدالة والمساواة بين البشر».
مشاركة :