تونس – لا تهدأ حركة الاستقالات في حركة نداء تونس، التي يديرها حاليا حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس الباجي قائد السبسي، وذلك في مشهد شبيه بارتدادات الزلازل نتيجة التصدعات التي تسببت فيها الأزمة الهيكلية والتنظيمية والقيادية التي تعصف بهذه الحركة منذ العام 2015. ومع الاستعداد للاستحقاقات الانتخابية، المقررة في أكتوبر 2019، أخذت هذه الأزمة منحى تصاعديا باتجاه المزيد من التفاقم الذي غذته الخلافات التي تعمقت على وقع الصراع مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد، حتى اقتربت هذه الحركة كثيرا من انشقاق جديد قد يجعلها على حافة التفكك. في سياق هذا المنحى التصاعدي، أعلن القيادي بحركة نداء تونس، وسام السعيدي، الاثنين، عن استقالته من الحركة، وذلك في توقيت مثير للاهتمام، باعتباره جاء بعد نحو ثلاثة أيام من إعلان ثمانية من النواب استقالتهم من الكتلة النيابية لحركة نداء تونس، والانضمام إلى كتلة نيابية جديدة موالية لرئيس الحكومة يوسف الشاهد. وقال السعيدي في تصريحات إذاعية، إنه قرر الاستقالة رسميا من حركة نداء تونس، لأنه “لا أمل اليوم في إصلاح الحركة”، واعتبر أن العلاقة بين حركتي نداء تونس والنهضة “ليست واضحة ومتذبذبة، ولا توجد أي جدية سياسية لدى حركة نداء تونس لحسم هذا الأمر”. وتوقع استمرار نزيف الاستقالات من هذه الحركة، قائلا إن “موجة جديدة من الاستقالات تشبه العاصفة القوية ستضرب حركة نداء تونس، وذلك في سابقة لم يعرفها أي حزب من قبل”. وسعت حركة نداء تونس إلى محاولة التقليل من وقع هذه الاستقالة، حيث قال القيادي خالد شوكات لـ”العرب” إن استقالة السعيدي “لن تؤثر على تماسك نداء تونس، لأننا نعيش حياة ديمقراطية حقيقية”. الأزهر العكرمي: حركة نداء تونس أصبحت مجرد هيكل تنظيمي لا حياة فيه الأزهر العكرمي: حركة نداء تونس أصبحت مجرد هيكل تنظيمي لا حياة فيه ولم يتردد في وصف هذه الاستقالات بأنها “جزء من مخطط يستهدف ضرب حركة نداء تونس، وإضعافها، وبالتالي ضرب التوازن السياسي في البلاد بما يصب في مصلحة حركة النهضة، باعتبار أن البلاد تفتقد حاليا لبديل واضح وقوي، وقادر على خلق التوازن”. لكن هذا التقليل من أهمية هذه الاستقالة يصطدم بقراءات أخرى تذهب إلى القول إن ما يحدث داخل حركة نداء تونس هو امتداد للخلافات والصراعات التي تعصف بها منذ العام 2015، بسبب تراجعها عن جملة من المسائل التي تُوصف بـ”الجوهرية” التي تضمنها بيانها التأسيسي. وتأسست حركة نداء تونس في العام 2012 في أعقاب مبادرة أطلقها الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي، دعا فيها القوى الوطنية والديمقراطية إلى “التوحد، وخلق بديل تنظيمي لتحقيق التوازن في المشهد السياسي”، وبالتالي التصدي لحركة النهضة التي تغولت إثر سيطرتها على مجمل مفاصل الدولة. وفي السابع من يوليو 2012، حصلت حركة نداء تونس على ترخيص العمل القانوني، لتصبح حزبا سياسيا قانونيا، الأمر الذي مكنها من المشاركة في انتخابات العام 2014 التي فازت بها، حيث تقدمت على حركة النهضة الإسلامية في الاستحقاق التشريعي، فيما فاز الرئيس السبسي بالاستحقاق الرئاسي. لكن الخلافات داخل هذه الحركة، سرعان ما تعمقت منذ أن أعلن الرئيس السبسي توافقه مع رئيس حركة النهضة الإسلامية، راشد الغنوشي، حيث تتالت التصدعات التي تحولت إلى انشقاقات بدأت بخروج محسن مرزوق منها، وتأسيس حزب جديد أطلق عليه اسم “حركة مشروع تونس”. ولم تقف الانشقاقات عند ذلك الحد، وإنما تواصلت بشكل متسارع، حيث أعلن القيادي الطاهر بن حسين انشقاقه هو الآخر ليؤسس بعد ذلك حزب المستقبل، ثم تلاه سعيد العايدي، الذي أسس حزب بني وطني، وكذلك رضا بالحاج، الذي أسس حركة تونس أولا قبل أن يستقيل منها، ويعود من جديد إلى حركة نداء تونس. وترجع العديد من الأوساط السياسية هذا المشهد الذي يعكسه الواقع الداخلي لحركة نداء تونس، إلى تفاقم صراع المصالح الشخصية، والنفوذ وغياب هيكلية تنظيمية، وقيادة منتخبة، باعتبار أن القيادة الحالية جاءت بالتعيين والتزكية. ويشاطر هذه القراءة، الوزير الأسبق، الأزهر العكرمي، الذي يعد واحدا من مؤسسي هذه الحركة، والذي سبق له الاستقالة منها، حيث قال لـ”العرب” إن حركة نداء تونس كانت صرحا فهوى، حيث تحولت بشكلها الراهن، وبقيادتها الحالية إلى هيكل تنظيمي هامد لا حياة ولا نشاط فيه، وخاو من القيادات، وفاقد للثقة والمصداقية. واعتبر أن الاستقالات المعلن عنها، هي نتيجة مرض قديم تعاني منه حركة نداء تونس منذ العام 2015، بعد أن فشلت كل الوصفات في معالجته، نتيجة تورم الأنا وارتفاع منسوب المحسوبية، التي تشابكت مع مصالح العائلة، حتى وصل إلى حد فرض مبدأ “التوريث”، وذلك في إشارة إلى سيطرة السبسي الابن على هذه الحركة بعد وصول أبيه الرئيس السبسي إلى قصر قرطاج الرئاسي. وذهب العكرمي إلى القول إن الغضب يسود حاليا الأغلبية الساحقة داخل هذه الحركة، وهو غضب متصاعد، ورجح أن ينفجر قريبا لينهي هذا الوضع، وبالتالي إفراغ هذه الحركة التي أصبحت، على حد وصفه، “جثة هامدة”. وعلى وقع هذه التطورات، ينظر المراقبون إلى هذه الموجة من الاستقالات التي مازالت تتفاعل على أكثر من صعيد، على أنها حلقة جديدة من سلسلة الأزمة التي تتخبط فيها حركة نداء تونس، والتي تعمقت واتخذت أشكالا تنظيمية وسياسية، بات يصعب حلها بعد أن تناثرت على بساط الرهانات الخاطئة، والحسابات العائلية. وتجمع القراءات السياسية المرافقة لها، على أن توقيتها ليس بمعزل عن الاستحقاقات الانتخابية المرتقبة التي يبدو أن معركتها قد فتحت قبل أوانها، كما أن تداعياتها ستكون وخيمة على التوزان السياسي واستقرار البلاد، لا سيما وأنها تصب في صالح حركة النهضة التي عادت لتتغلغل من جديد في مجمل مفاصل الدولة.
مشاركة :