يرى العديد من المعلقين الإسرائيليين، أن ما طُرح بشأن غزة، ومقايضة فك أزمتها بخطوة فيها، على الأرض، تتطابق مع رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتسوية؛ لا يعدو كونه الخطة “ب” المقلّصة، لاختبار إمكانية تطبيق المشروع الرئيسي لتصفية القضية الفلسطينية، قبل طرحه مكتوبا وذا بنود محددة، على أمل أن تسانده الأقطار العربية أو تساعد على نجاحه. ويعلل المعلقون الإسرائيليون فشل مبعوثي ترامب، صهره جاريد كوشنير ومستشاره غيسون غرينبلات، بأنهما قد أظهرا في جولتهما العربية، نوعاً من الفجاجة التي اتسمت بلغة رجال الأعمال عندما يتحدثون مع أطراف يُرادُ منها الإسهام بسخاء في مشروع خيري، دونما أي اعتبار لعنصر يتعلق بالمصلحة التي ينبغي أن تراها هذه الأطراف في بذل المال. وأشار معلقون إسرائيليون آخرون، إلى أن الموفدين الأميركيين، عرضا بعض نقاط خطة الرئيس ترامب مشافهة، لكي تظل رؤيته كلاماً غير ملزم، ينتظر استجابة الآخرين للإسهام في دفع أكلاف خطة لا يعرفها هو نفسه على وجه الدقة. ففي الكلام الشفهي في الجلسات المغلقة، ليس هناك أي صدقية ولا شيء يضمن أن يكون هناك توجهاً فعلياً لعمل على الأرض، ولا ما يؤشر إلى دينامية محددة. وهذا هو انطباع عضو في “كنيست” إسرائيل عن اجتماع أجراه الموفدان الأميركيان في إسرائيل وكانت حاضرة، إذ قالت “كأنما هو بالون اختبار، أطلقه الموفدان، ولا يشكل كلاماً جدياً”! خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم تُعرض على الطرفيْن، العربي والإسرائيلي، في شكل صيغة متكاملة. والرجلان اللذان أرسلهما ترامب يفتقدان إلى الخبرة السياسية، ولا علم لديهما بتاريخ النزاع، ولا يمتلكان براعة الطرح السياسي ولا حساسيته، لا سيما في مهمات الوساطة، وهما يهوديان توجها من منطلق عاطفة خاصة حيال إسرائيل. ففي الأساس، يتوجب على كل وسيط، الإدراك بأن كل طرف يفتش عن مصلحته في حل أي مشكلة عنده أو في جواره. أحد المعلقين الإسرائيليين يقول إن الموفديْن، تعاملا مع الأطراف العربية باعتبارها طائعة تلقائياً كجهاز الصراع الآلي ATM ولم يدركا واجب إشعار المتبرع بقيمته واحترامه، عندما يطلب منه المساعدة. في ضوء مثل هذه الانطباعات، وهي لا تجانب الصواب، يمكن تحديد أهم أسباب فشل المبعوثيْن الأميركيين، ورفض العرب التماشي مع الفكرة، وانتقال الحديث بعدئذٍ، عن مشروع لغزة، وتجميد الحديث عن الوجهة الأصلية! في الأثناء، انقسمت الآراء الفلسطينية المتعلقة بمشروع غزة، وكان إفشال المصالحة أحد وسائل إفشاله، خاصة وأن المشروع يتحدث عن إعادة إعمار غزة أميركيا وأوروبيا مباشرا، مع استعداد رسمي إسرائيلي خجول، بلسان بنيامين نتنياهو للتجاوب، ومعارضة صقور الأوساط الحاكمة الأشد تطرفاً. أما رئيس السلطة الفلسطينية، فقد وفر الفرصة للأطراف الدولية لكي تنحو إلى العمل المباشر، لأن الرجل لا يزال في سياق تطبيق إجراءات تصاعدية ضد غزة، بينما الأميركيون رأوا في محنة غزة مدخلاً مناسباً لبدء العمل لتنفيذ صفقتهم قبل الإعلان عنها وإيضاح كل معالمها. ومن المفارقات، أن الرجل الذي يطرح نفسه معارضاً لما يسمى صفقة القرن، لا يكف عن التمسك بأمرين هما أسوأ من الصفقة، ما يجعل رفضه اللفظي لها ملغزاً، ويفتح باب التكهنات عن أسبابه الخاصة والحقيقية. الأمران هما الاستمرار في مفاقمة محنة غزة، على النحو الذي يجعلها منطقة منكوبة يسري عليها ما يسري على كل أرض منكوبة تستحث العالم على التدخل بذريعة الإغاثة والإنقاذ، ثم الإعراب المتكرر عن التوافق الأمني مع إسرائيل، وقد وصل في أحد تعبيراته الأخيرة، إلى درجة الحديث عن لقاءات مع رئيس الموساد وقال إنه يتفق معه على 99 بالمئة من النقاط. يستحث مثل هذا الحديث، سؤالا كبيرا: هل يقاوم الرجل الصفقة الأميركية المزعومة، ويجافي الأميركيين، بهذا المنطق الذي لا يدع زيادة لمستزيد من الرغبة في إضعاف الموقف السياسي الفلسطيني، واسترضاء إسرائيل؟ نقطة أخرى ينبغي تذكير المعنيين بها، وهي تتعلق باتهامات من إعلام مناوئ لحكومات مصر والسعودية والإمارات، بأنها تتماشى مع الصفقة المزعومة. ذلك علماً بأن كل الإشارات أكدت على أن الدول المذكورة، رفضت طرح مبعوثيْ الرئيس ترامب، ويتكرر في كل يوم الإعراب من حكومات هذه الدول، عن التمسك بثوابت القضية الفلسطينية كما يراها أصحابها المباشرون، ولا تكف افتتاحيات الصحف الموصولة بحكومات هذه الدول، عن شرح أسباب الرفض ودحض الرؤية الأميركية، وعدم الاعتراف بقرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وإدانة نقل السفارة الأميركية إليها. فما الذي تبقى لكي يكف الإعلام الموالي لجماعة “الإخوان” ولمسانديهم، عن الإدعاء؟ وما الذي يقوله إعلام قطر مثلاً، عن القضية الفلسطينية، زائداً عن الذي يقوله إعلام الإمارات ومصر؟ أم أن الهدف هو الاستمرار في محاولة زعزعة الثقة بين العرب وإشاعة البلبلة؟ ربما يكون بدأ تنفيذ الصفقة المزعومة، من خلال السياسات الجارية. أما السياسات التي تدل على الصفقة؛ فإنها من جانب الأميركيين تتمثل في قراراتهم الأحادية الشائنة بخصوص القدس، وقطع المساعدات عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، ومجافاة مرجعية التسوية، أما من جانب رئيس السلطة الفلسطينية، فإنها تتمثل في الممارسات والسياسة الاجتماعية – الاقتصادية المعتمدة ضد غزة، ومن جانب إسرائيل، إطلاق يد جيشها على الفلسطينيين، ومن جانب إعلام الطنين الفارغ، هناك ممارسات زرع البلبلة والتشكيك وتعميق الخصومة، وكل هذه ممارسات تضرب القضية الفلسطينية عن قوس واحدة!
مشاركة :