مررت بتجربة متكررة مع طلاب وطالبات الاعلام عند الخوض في تحليل او تطبيق للنظريات الإعلامية. ولعل من ابرز تلك التجارب التي لا حظت انها تحظى بالاهتمام من الدارسين ما يتعلق بلعبة التأطير الإعلامي. فهناك من ينظر للاعلام وممارسته كلعبة يمارسها المحترفون في تأطير الرسائل ليتلقاها المشاهد بالتفسير بمزيج من إطاري السلوك الجاد وغير الجاد. وهذه اللعبة او الطريقة الإعلامية نجحت في بناء الكثير من الرسائل المؤثرة لدى جمهور المشاهدين تحديدا. فالمشاهد يجلس امام شاشة التلفزيون – تلك الوسيلة الترفيهية في معظم الأحيان- ويتفاعل مع المحتوى التلفزيوني على أساس انه تمثيل في تمثيل، وينسى انه ينتقل الى مشاهدة المحتوى الجاد مثل الاخبار والبرامج الحوارية المصنعة دراميا ويتقبل محتواها بتفسير جاد لسلوك المشاركين. وبالتالي تختلط أطر التفسير بين ما هو جاد وما هو تمثيل، واصبح لدينا ثقافة خلال ما يزيد على نصف قرن نتوارثها جيلا بعد آخر وهي أسلوب قبول التعامل مع المحتوى التلفزيوني وتسكينه او تأطيره. تزامنت مواقف بعض الدارسين في قسم الاعلام بجامعة الملك سعود من التاطير الإعلامي مع الموقف الذي نجح فيه متسابق مصري في برنامج البحث عن المواهب العربية على قناة mbc . فقد استطاع المتسابق عمرو العمروسي ان يبكي بعض الحضور وبعض أعضاء لجنة الحكم وكثيرا من الجمهور خلف الشاشة. والسبب انه أطر لنا مأساة العرب في برنامج ترفيهي فاختلط حابل تفكيرنا في نابل سلوكنا التدميري في عالمنا العربي. لم تتجاوز مشاركته سوى دقائق في مشهد شبه صامت وبطيء الحركة كبطء تحولنا من مواطن السوء الى سباق التنمية. صور لنا الجراح التي مزقت عالمنا العربي برصاصات الجهل والغدر والتطرف، وحاول استخراج تلك الرصاصات التي اخترقت جدار صدره الذي يحمل لوحة اعلام الدول العربية المتفرقة. انه مشهد يجسد ألما غائرا في صدورنا وتم استغلاله لتحويل بعض الجهلة ممن يحمله الى تحويل سهام جهلهم في اشعال فتيل المنطقة وبالتالي اصبحوا اشد ظلما وفتكا من أعداء الخارج. ابكتنا رسالة العمروسي لأنه عرف كيفية توظيف اطر الاعلام في التاثير في الاتجاهات او العواطف وربما السلوك الذي لم يخرج هذه المرة عن رد الفعل الطبيعي بدموع العين التي فضحت اسرار الصدور المتألمة. وما يهمني هنا هو ان كثيرا من المشاهدين يظنون ان برامج الترفيه هي برامج تافهة تلهي أبناء الامة عن المؤمل منهم وتصرفهم عن القيم. والواقع ان رصاصة العمروسي التي غارت في صدره التمثيلي كانت ابلغ من كل رصاص الإرهاب والتطرف الذي قاد العالم وربما أبناء الإسلام على التنكر لرسائل التطرف باسم الإسلام. ولعل هناك من يرى أهمية دراسة انتشار فكر مناقض للتطرف كرد فعل تأطيري ويتمثل في انتشار بوادر الالحاد بين بعض الشباب والتي سيحمل كل متطرف وزر من دفعه اليها. فعزوف بعض الشباب عن قيم الدين يعزوها من تطرف الى انتشار ثقافة الفجور والعري، وينسى ان رسالة التطرف وحز الرؤوس تمثل اشنع فيلم رعب يحاول المشاهد تناسيه. انها لعبة تأطير يدفع المتطرفون بسلوكياتهم وصورهم المرعبة الكثير من المشاهدين من ذوي القلوب الرحيمة نحو نبذ التطرف والانتقال الى ضفة أخرى تبعدهم عن الانتماء الى ما يقربهم من الانتماء لتلك الجماعات حتى ولو بالاسم. وهي رحلة تبدأ بالابتعاد وتنتهي بتبني فكر متسامح من ضفة أخرى. وهوالاثم الذي سيحاسب عليه كل متطرف يبعد أبناء الامة عن دينهم وقيمهم ويلقي بهم في أحضان غيرهم ويتنصل من وزر المسؤولية. انها معركة أخلاقية لم تحن ساعتها بعد لغياب الدراسات العلمية التي تنفي او تؤكد فرضياتها. ولكن رصاصة العمروسي التمثيلية تثبت ان سحر التأطير الإعلامي والبكاء مع المشاهدين يزيح الصدأ عن احاسيسهم التي تنتظر الخروج من الصدور، وهي تأكيد بأن الغفلة تجلوها رسائل موعظة المواقف المؤطرة بالقيم. الرياض
مشاركة :