ماجد كيالي يكتب: أسئلة ملحة بمناسبة تجربة 25 عامًا على اتفاق أوسلو

  • 9/15/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لم تعد الأسئلة المتعلقة باتفاق أوسلو (سبتمبر 1993) ترتبط بنطاق التنظير أو التحليل  السياسي أو بنطاق المنافسة أو المزايدة بين هذا الفصيل أو ذاك، إذ بات ثمة تجربة عمرها ربع قرن، بمعنى أن الأمر بات يتجاوز البعد النظري ـ النصّي للاتفاق المذكور إلى بعده العملي ـ التطبيقي، بحيث أن الممارسة السياسية باتت هي المختبر الأساسي للحكم على هذا الاتفاق. بداية يجدر التنويه إلى أن هذا الاتفاق اعتورته كثير من النواقص، كما يتضح من نصوصه، فهو، مثلاً، لم يعرّف إسرائيل بوصفها دولة احتلال، بل ولم يعرّف أراضي الضفة والقطاع باعتبارها أرضاً فلسطينية محتلة، وقد تم توصيف انسحاب إسرائيل المفترض من تلك الأراضي باعتباره بمثابة إعادة انتشار، وفوق كل ذلك فقد تم تأجيل التقرير بالقضايا الأساسية للشعب الفلسطيني المتعلقة بتقرير مصيره، والمتمثلة بقضايا اللاجئين والقدس والبت بمصير المستوطنات وتحديد الحدود، هذا إضافة إلى عدم تحديد ماهية الحل الانتقالي، الأمر الذي جعل الفلسطينيون يدفعون باهظا ثمن الاتفاق، نتيجة تملصات إسرائيل وتفسيراتها المتضاربة للاتفاق، طوال 25 عاماً. منذ البداية بنت القيادة الفلسطينية مراهناتها الخاطئة، او توهّماتها، على هذا الاتفاق بادعاء أن الزمن يشتغل لصالحها، وأن الديناميات الفلسطينية يمكن أن يفرض وقائع تعزز من مكانة الفلسطينيين في أرضهم، من دون أن تأخذ في اعتباراتها قوة السيطرة الإسرائيلية، على كافة مناحي حياة الفلسطينيين، سياسيا وأمنيا واقتصاديا واداريا، ومن دون أن تأخذ في اعتبارها الخلل البيّن في موازين القوى، لصالح إسرائيل، وحتى من دون ادراك طبيعة الحياة السياسية الإسرائيلية، القائمة على التوافق، وعدم استفراد طرف بتقرير مصير إسرائيل دونا عن الأطراف الإسرائيلية الأخرى، كذلك فإن هذه القيادة لم تأخذ في اعتبارها المعطيات الدولية والإقليمية المواتية لإسرائيل، والداعمة لها، والمغطية لسياساتها. بيد أن الجانب الأساسي الذي ينبغي تسليط الضوء عليه هنا جيداً أن القيادة الفلسطينية، التي تورطت في اتفاق أوسلو، على النحو الذي تحدثنا عنه، لم تستطع إدارة الوضع الفلسطيني بما يسمح بتجاوز ذلك الاتفاق المجحف والناقص والجزئي. وكما شهدنا فإن تلك القيادة أدارت الوضع الفلسطيني وكيان السلطة بطريقة أدت إلى تفاقم تدهور الكيانات الوطنية وضمنها منظمة التحرير، وبطريقة أدت إلى تآكل الاجماعات الوطنية بين الفلسطينيين، وبطريقة أدت الى اختزال قضية فلسطين باعتبارها قضية ارض محتلة عام 1967؛ وحتى رئيس السلطة الفلسطينية وهو رئيس منظمة التحرير اعترف مراراً بأن السلطة لا سلطة لها، لأن السلطة للاحتلال، وهو اعتراف متأخّر، كان يستوجب مراجعة نقدية مسؤولة، كما كان يستوجب اطلاق مبادرات لإعادة بناء الوضع الفلسطيني على أسس جديدة، لا مجرد تصريح للاستهلاك، او لتبرئة الذمة، وانتهى. هذا الحديث عن اتفاق أوسلو، بمناسبة مرور ربع قرن على توقيعه في واشنطن، يطرح عديد من الأسئلة المسكوت عنها، وأولها، هل أن وضع الحركة الوطنية الفلسطينية كان يمكن أن يكون أفضل، من دون الاتفاق المذكور؟ ورغم ان هذا سؤالا افتراضيا إلا أنه ينبغي الإجابة عليه، مع معرفتنا بأن الحركة الوطنية الفلسطينية تعرضت للتآكل، وكانت غاية الضعف، سيما بعد الخروج من لبنان، وانتهاء الظاهرة المسلحة من الخارج، بحيث لم يعد لديها ما تضيفه، او تقدمه، إذ كان ثمة جمود في التفكير السياسي وفي بني الكيانات الفلسطينية، اي الفصائل والمنظمة، وهذا ما نلحظه حتى اليوم. وثاني تلك الأسئلة، أنه إذا كان وضع الفلسطينيين وحركتهم الوطنية كان سيبقى، من دون أوسلو، سيئاً وصعبا مع الاحتلال والاستيطان والتهويد، فهل بات أفضل مع الاتفاق وإقامة السلطة؟  وفي الإجابة، وعلى ضوء التجربة، فإن الاتفاق من الناحية العملية جزّأ شعب فلسطين، واخرج اللاجئين من معادلات الصراع، وهمّش منظمة التحرير الكيان السياسي المعنوي لمنظمة التحرير، ولم ينجح بإقامة سلطة وطنية، في ظل هيمنة الاحتلال الامنية والاقتصادية والادارية، كما أنه حد من قدرة فلسطينيي الضفة والقطاع على تنظيم أنفسهم والكفاح ضد الاحتلال وفقا لتجربتهم وامكانياتهم. لذا فعلى الأرجح فإن الفلسطينيين من دون اوسلو كان يمكن أن يكونوا احرارا في مواجهة الاحتلال، وكان يمكن ان يصنعوا انتفاضة ثانية على غرار الأولى، وليس كما حصل في 2000 ـ 2004، ومن دون اوسلو كان يمكن تجنّب انقساما بين الضفة وغزة وفي الحركة الوطنية الفلسطينية بل كان مسار وحدة الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية سار بشكل أفضل، وربما كانت قدرة الفلسطينيين على تطوير حركتهم الوطنية أفضل بواقعها كحركة تحرر منه بواقعها كسلطة، أي أن كفاح شعب فلسطين في الأرض المحتلة (1967) وتنظيمهم لأوضاعهم، كان قبل قيام السلطة، وعودة الفصائل، أفضل بكثير منه بعد قيامها. اما ثالث تلك الأسئلة، وبعد تجربة سبعة عقود على قيام إسرائيل، هل يمكن المراهنة على صراع عربي ـ إسرائيلي؟ وهل الأنظمة القائمة وواقع المجتمعات العربية أفاد أو يفيد بذلك، بغضّ النظر عن اعتبارنا أن إسرائيل معضلة عربية وليست معضلة فلسطينية فقط؟ هكذا فإذا كان الجواب سلبا على السؤال السابق، فنحن عمليا ازاء صراع فلسطيني ـ إسرائيلي، وهنا يبرز السؤال هل يستطيع الشعب الفلسطيني، بوضعه المعروف، تحرير فلسطين، أو جزء من فلسطين، أو اقامة دولة فلسطينية رغما عن إسرائيل؟ والفكرة انه إذا كان يفترض التمييز بين العمليتين (الصراع العربي ـ الإسرائيلي والصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي) فإن لكل عملية طبيعتها وادواتها ومدياتها، ومتطلباتها.

مشاركة :