*موجز الملف: - حقوق مستقدمي العمالة المنزلية الهاربة تنتظر الحسم وسط خيارات عديدة من المستغرب تجاهلها. - الأنظمة والتشريعات الحالية حرصت على تطبيق النظام بـ"الترحيل" ولم تكفل حقوق المتضررين. - مطالبات مستمرة بفرض تأمين وتمديد فترة التجربة وتفعيل التحقيق مع العمالة الهاربة. - مكاتب الاستقدام وضعف لائحة العمالة نصاً وتطبيقاً يعزز جانب العمالة أكثر من المتضررين النظاميين. - قصص متكررة يومياً والحل الحالي بلاغ تغيب ثم ترحيل وغياب حقوق المستقدمين. - انتشار مافيا تهريب العاملات والبداية من مكاتب بلادهم. - مطالبات بتعاون السفارات وتفعيل نظام تعميم شامل. برغم أن ملف (هروب العمالة المنزلية) يتم التطرق له كثيراً، إلا أن هذا الملف تحديداً احتفظ بعدم حسم أبرز الأسئلة حوله بالرغم من سنّ أنظمة متعددة في سياقاته، غير أنها كلها برزت في مجال التنظيمات والعقوبات ولكنها لم "تمس" كما يجب حفظ حقوق الكفيل الملتزم بالأنظمة والذي دفع رسوماً عالية، حيث أن الترحيل ليس "تعويضاً" له ولكن عقوبة تنظيمية على هاربي العمالة المنزلية تحديداً. "كل شيء تطور إلا... ": في هذا الملف تناقش "سبق" أبرز التداعيات حول ذلك، وإبراز الواقع الفعلي بمقاربة مع الواقع تداخلاً ومعاينة وتواصلاً مع أطراف عديدة، وسرد استشهادات أكدت "العمر الطويل" لهذا الملف الشائك. في البداية القصة ربما يلخصها باختصار الكاتب خالد السليمان بقوله: " كل شيء تطور في البلد إلا إجراءات التعامل مع العمالة المنزلية الهاربة، فما زال النظام يطالب الكفيل بتسديد نفقات ترحيلها، رغم كل ما يتكبده من خسائر وأضرار نتيجة إخلالها بالعلاقة التعاقدية"!. مضيفاً: "المزعج أن الهاربين يستغلون فترة هربهم في العمل لدى الغير وجني الأموال الطائلة حتى إذا رغبوا في العودة إلى أوطانهم حولوا آخر قرش جنوه ثم سلموا أنفسهم للشرطة، أو وضعوا أنفسهم في طريق مفتشي الإقامة النظامية لينالوا عودة مجانية إلى أوطانهم!". "السليمان" يعتبر أن ما تقوم به الجهات المختصة من إجبار الكفيل على تحمل تكاليف الترحيل إنما "هو أسهل وسيلة للتخلص من المسؤولية، وهي مسؤولية تقصير تبدأ بتوفر بيئة العمل الحاضنة للعمالة الهاربة وتمر بحرية تحويل الأموال غير المشروعة لتنتهي بمكافأة تذكرة سفر مجانية"!. القصة قديمة: أسباب الهروب من سوء المعاملة وتأخير الرواتب ليست المسار الذي يناقشه هذا التقرير. تقول الإحصائيات الرسمية إنه يتم تقديم أكثر من 20 ألف بلاغ هروب أو تغيب عن العمل سنوياً في الحد الأدنى. وفي (2013) تم تسجيل غياب أكثر من 30 ألف عاملة منزلية. القصة قديمة مما يضع علامات استفهام كبيرة حول تأخر حسمه. وفي لقاء سابق يعلق نائب رئيس لجنة الاستقدام بالغرفة التجارية بجدة، علي القرشي بقوله: "الموضوع قديم جدا منذ الثمانينيات الهجرية. للأسف في أسواق المملكة نجد أوكارا للعمالة الهاربة ويقف وراءها عصابات يتم الترتيب لهم منذ انطلاقهم من بلدانهم..العمالة الهاربة بكل أسف يتم مكافأتهم إما بالترحيل أو نقل كفالاتهم!!. خطوات الهروب: أما خطوات هروب العمالة المنزلية فتتم كالتالي: حصول العاملة على رقم شخص متخصص في تهريب الخادمات من خلال تواصلها مع عاملات أخريات في محيط الأسرة ثم تتواصل العاملة مع المهرب ليتم الاتفاق على المدينة التي ستهرب لها والمنزل الجديد الذي ستعمل فيه وراتبها الجديد ويتم تحديد موعد الهروب بدقة، باليوم والساعة. وترسل الخادمة للمهرب إحداثيات المنزل بالجي بي إس. ويعمد المهرب إلى استخدام سيارة خدمات عامة أو تاكسي لإخفاء الخادمة. ثم يترقب المهرب اللحظة المناسبة بعيداً عن نقاط التفتيش لتجنب القبض عليه. تشريعات ناقصة ودور غائب للسفارات: من جهته يقول المستشار القانوني والعمالي حمدي الهلالي لـ"سبق": مكاتب الاستقدام تسرح وتمرح على حساب المواطن. أسعار خيالية، وفترة ضمان قصيرة، ومخالفات للمواصفات، يفترض ألا تقل فترة الضمان عن عامين، وأن تكون هناك عقوبات رادعة، لأن الحالية كأنما ولدت سريعاً وبحاجة لمراجعات. وأقترح ربط سفر العمالة المنزلية بحضور الكفيل في المطار حتى لا يتم ترحيل العمالة الهاربة بطريقة ما أو عن طريق سفاراتهم. الأنظمة الحالية فيها ثغرات كبيرة. للمملكة الآن سجل مشرف في حماية حقوق الإنسان ولكن ماذا عن حقوق المواطن في هذه الحالات؟!" يجب تكامل الانظمة لحفظ اموال البلد وأمنها بالدرجة الأولى والكرة في ملعب المُشرّع. كما يجب أن تكون السفارات والقنصليات ضامنة في حال تبليغها. العقوبات على المُشغّل وليس على العمالة هذا فيما نقلت الزميلة "الاقتصادية" في تقرير لها عن سلطان المطيري نائب مدير مكتب العمل في الشرقية عن أن لائحة جديدة تشدد العقوبات ضد العمالة الهاربة في طريقها للصدور قريباً. مضيفاً: "العقوبات الخاصة بهروب العمالة تتولاها وزارة الداخلية. وأنه لن يتم تسفير العمالة المنزلية الهاربة، إلا بعد أن تؤخذ كل حقوق كفلائها، لافتا إلى أنه في حالات الهروب يحال المخالف إلى شؤون الوافدين بإدارة السجون، وتكمن المطالبات من قبل الكفيل بمخاطبة سفارة العامل الهارب، مشيرا إلى أن هذه اللائحة رادعة وستصدر قريبا. ولكنه أقر أن الإجراءات المتخذة ضد العمالة المنزلية الهاربة حتى الآن، تقتصر على الترحيل من البلد، منوها إلى أن هذه العقوبة ومسؤوليتها تقع على عاتق وزارة الداخلية، فيما تقع الغرامات على المُشغّل وليس على العمالة". قرارات وأنظمة أحادية: القرارات مثلاً من (وزارة العمل) متتالية –ومع حفظ الجهود الجبارة للوزارة -ولكنها بامتياز لا هي ولا القرارات التي صدرت من جهات أخرى مساندة تطرقت لحفظ حقوق الكفيل النظامي المهدرة في حال هروب العمالة خاصة المنزلية. وكمثال: في فبراير 2017م أصدرت "العمل" قرارًا يقر نقل خدمات العامل أو العاملة من فئة عمال الخدمة المنزلية، ومن في حكمهم من صاحب عمل لآخر في 13 حالة من الحالات التي لا يكون عامل الخدمة المنزلي ومن في حكمه سببًا في حدوثها"... ماذا عما كان سبباً في حدوثها مثل الهروب!. وبالنسبة للجوازات فالمهمة تنحصر في تسجيل بلاغ التغيب عن العمل والذي يمكن الغاءه فقط خلال (15) يوماً ثم يحال لفرق المتابعة والترحيل. وعند السؤال "كيف أحفظ حقي؟" الإجابة: عليك رفع قضية في المحكمة. أما المحكمة فربما ستكون محظوظاً في حال قبول لائحة دعواك الالكترونية وغالباً الرد: "الطلب ناقص" أو "عدم الاختصاص". لائحة العمالة المنزلية: وعلى موقع وزارة العمل وعند تصفح (لائحة العمالة المنزلية) التي تتضمن (23) مادة وتنص على تنظيم علاقة العمل بين الطرفين وحفظ حقوقهما ويمكن ملاحظة أنه لا يوجد نص واحد مُلزم بإعادة مستحقات الاستقدام في أي حالة. وضمن المادة (13) تنص اللائحة على أنه "عند ترك عامل الخدمة المنزلية العمل، على صاحب العمل أن يُبلغ أقرب مركز شرطة لمقر منزله. وعلى مركز الشرطة المبلغ القيام بثلاث خطوات هي: أولاً: إبلاغ إدارة الجوازات بترك العامل للعمل لاتخاذ الإجراءات اللازمة، وثانياً: إفادة مكتب العمل بذلك للتأكد من أنه ليس للعامل دعوى ضد صاحب العمل أو لصاحب العمل دعوى ضد العامل. وثالثاً: عندما تكون هناك دعوى فعلى مكتب العمل إفادة إدارة الجوازات بذلك، وتزويد المُبلّغ بنسخة من بلاغ ترك العمل. ووفقاً العديد ممن قاموا بتقديم بلاغات أنه غالبا – إن لم يكن بالمطلق-فإن مراكز الشرطة تكتفي بأخذ بيانات المُبلّغ وتقول سنتصل بك حال القبض علي المُبلّغ عنه، وفي حالات القبض فإنه لا يتم حتى إجراء أي تحقيق! لجان الفصل: وفي المادة (18) يعاقب عامل الخدمة المنزلية الذي يخالف أحكام اللائحة بالتالي: أولاً: غرامة مالية لا تزيد على ألفي ريال أو بمنعه من العمل في المملكة نهائيًا أو بهما معًا، أو ثانيا: تتعدد الغرامات بتعدد المخالفات المثبتة على عامل الخدمة المنزلية، وثالثاً: "يتحمل عامل الخدمة المنزلية المخالف تكاليف عودته إلى بلده، فإن لم يكن لديه مستحقات مالية تفي بالغرامات المقررة عليه يرحل إلى بلده على حساب الدولة إذا لم تكف الحصيلة المتحققة من تطبيق المادة التاسعة عشرة من هذه اللائحة". وهنا يلاحظ أن اللائحة لم تتطرق مطلقاً لحقوق المواطن التي دفعها ثمناً للاستقدام! لجان الفصل: وفي المادة (21) ما نصه: "تكون بقرار من الوزير-وفقا للاختصاص المكاني لكل مكتب عمل تابع لوزارة العمل-لجنة أو أكثر من رئيس وعضوين يكون أحدهم مستشارًا قانونيًا من وزارة العمل للنظر في المطالبات المالية الناشئة بين عمال الخدمة المنزلية وأصحاب العمل ومخالفات هذه اللائحة التي ليس لها طابع جنائي ودراستها والفصل فيها وتطبيق العقوبات المنصوص عليها في هذه اللائحة. وحول المادة السابقة فإن اللجوء للجان العمالة المنزلية فهي في حالة خلاف بين طرفين حاضرين ولكن ماذا عن عمالة هاربة وكفيل مهدرة حقوقه! غياب التحقيق: وهنا يمكن ملاحظة أن اللائحة أغفلت حقوق الكفيل بالإضافة لعدم تنفيذ الإجراءات التي أشارت لها اللائحة. سواء من قبل أغلب مراكز الشرطة وعدم مبالاة الأخيرة بالتقصي والتحقيق مع الهاربين لمعرفة من قاموا بتشغيلهم! – وكذلك التعامل الغريب في هذا الجانب من قبل إدارات الجوازات-بدون تعميم– حيث يتم رفض إلغاء بلاغ الهروب مثلاً دون إرشاد المتضرر إلى حل أو الإجراء التالي وبصريح العبارة "مو مشكلتي.. أنا انفذ النظام بالترحيل فقط" وهذه وقائع تأكدت منها "سبق" عملياً ومن متضررين عديدين. حماية حقوق الكفلاء: يقول الكاتب محمد راشد الفوزان في مقال بعنوان (حماية حقوق الكفلاء أيضاً. .أين؟): "الإدارة العامة للجوازات أصدرت قرارا جديدا بتغريم العمالة الهاربة بـ"عقوبة الوافد المتغيب عن العمل غرامة 10 آلاف ريال، والترحيل والمنع من دخول المملكة نهائيًا" وهذا جيد ومنتظر من زمن، وعلى أن يُحمل بالطبع العامل هذه الغرامة كاملة "لهروبه". و مضيفاً:" ...الجوازات تستطيع أن تستوفي حقها بمنع من السفر حتى السداد أو منع من السفر، لكن الكفيل ماذا سيسترد من كل ذلك؟ حق الكفيل من يسترده؟ وأين التشريع الذي يحفظ حقوقه؟ فكما للعمالة المنزلية حقوقها المحفوظة وهذا حقهم، كذلك الكفيل أيضا من يحمي حقوقه؟" بين مكاتب الاستقدام ومافيا تهريب العمالة: بالإضافة للانتقادات لمكاتب وشركات الاستقدام يأتي التضرر الأكبر من وجود عصابات مافيا تهريب العاملات وبرغم الجهود المبذولة في مطاردة أوكارهم إلا أن نشاطهم مستمر، وأعداد العمالة الهاربة متزايد حيث يؤكد مختصون أن هذه العصابات تبدأ عملها من بلد العمالة. "سبق" استفسرت من أحد مكاتب الاستقدام المعروفة. الموظف الذي طلب عدم ذكر اسمه قال: " ليس دورنا أن نطارد العمالة الهاربة، ولسنا جهة أمنية ولا محكمة أو حقوقيين. أين مكافحة عصابات التهريب؟!.. نحن أيضاً نتضرر ونفقد ثقة العملاء، ولذا نحرص على مكاتب موثوقة خارجياً كما نتعاون مع المتضرر بتوفير مترجمين لتقريب وجهات النظر في حال الخلافات.التظاهر بالعجز: من جهته يعلق الكاتب د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف في مقال له: "تحوم الشكوك بأن العاملات المنزليات يخضعن لدورات تدريبية مكثفة في بلد القدوم ليس على التدبير المنزلي ولكن على كيفية الالتفاف على الأنظمة المحلية،...جهات الاستقدام، ومعها للأسف الجهات الرسمية المشرفة عليها، والأنظمة المنظمة لها، تتظاهر بالعجز أمام هذه الظاهرة...ولا يعرف أي سبب في عدم السعي لحماية حقوق المواطن المسكين بتمديد الضمان ضد الهروب أو رفض العمل إلى طيلة مدة العقد...؟. التأمين لضمان حقوق المواطن: وفي دراسة مستفيضة تشدد د. لطيفة عبدالعزيز العبداللطيف أستاذ علم الاجتماع: على "أهمية أن تتعاون الجهات المسؤولة عن الاستقدام بوضع قوانين تحمي حقوق المواطن في حالة هروب العمالة التي تحت كفالته، وأن يعوض عن جميع خسائر الاستقدام التي دفعها سواء من العمالة نفسها أو سفارتها كما يجب تطبيق نظام التأمين بحيث إنه عندما يهرب العامل يغطى به، وأن لا يأتي العامل من بلده إلا وقد دفع التأمين وبذلك يضمن الاستمرار في العمل. أسئلة إلى الجهات المعنية (وزارة العمل + الداخلية): يمكن في نهاية هذا الملف حصر الأسئلة الموجهة للجهات المعنية في التالي: في حين تم إقرار أنظمة تحافظ على حقوق العمالة المنزلية، إلا أنه بالمقابل لا يوجد أي نص يحفظ حقوق الكفيل الملتزم بالأنظمة والذي هربت عمالته بعد دفعه رسوم استقدام عالية، فترحيل الهاربين ليس تعويضاً للمواطن لذا يجب سنّ نظام منصف. المناشدات التي تفيض بها رسائل المتضررين يفترض أن تدفع القطاع المختص في وزارة الداخلية للتشديد على مراكز الشرطة التي تلتقط الهاربين والهاربات من العمالة المنزلية بعد خروجها المفاجئ كتسليم لأنفسهم أن يتم التحقيق مهم واجبارهم على الكشف عن عصابات التهريب التي تعاملوا معها والآن يرمون أنفسهم للتسليم للحصول على ترحيل مجاني. لماذا لا يتم فرض تأمين على مكاتب الاستقدام الخارجية ووسيطهم المحلي وعلى العمالة نفسها حتى لا يتضرر المواطن. لماذا لا يتم رفع فترة التجربة من (90) يوماً إلى (9) أشهر مثلاً أو أكثر؟ لماذا لا يتم وضع إجراء ذكي وشمولي بحيث بمجرد إبلاغ الكفيل عن هروب عمالته كتغيب عن العمل مثلما تسميه "الجوازات" يتم التعميم الفوري لجهات أخرى أمنية مثل الشرطة ولجهات ذات علاقة مثل المحكمة لإصدار المنع من السفر وللسفارات كإشعار لعدم منح وثائق سفر مؤقتة ونحو ذلك؟ تكثيف وتشديد العقوبات على مهربي العمالة والمواطنين الذين يسمحون لها بالعمل بالرغم من هربهم بما يكفي للحد من ذلك، مع تكثيف حملات المداهمة.
مشاركة :