مر اليوم العالمى لمنع الانتحار والذى يقام فى العاشر من سبتمبر الجارى سنويًا فى العالم دون اهتمام حقيقى بالأمر رغم أن عناوين الانتحار تنشرها الصحف يوميًا وبشكل مؤثر خطير ومؤلم.وقد تعاظمت الحوادث الخاصة بالانتحار وتحولت إلى ظاهرة اجتماعية تستحق الوقوف عليها ودراستها، ولعل الأرقام والإحصائيات الرسمية تؤكد ارتفاع نسب الانتحار فى بلادنا.ووفقا للمنشور المتاح ورغم قلة البيانات الرسمية وعدم جودتها، فإنه فى عام ٢٠٠٧ كان هناك أكثر من ٤٠٠٠ حالة، ارتفعت مع عام ٢٠٠٩ إلى ١٠ آلاف حالة انتحار لتصل بعدها إلى ١٨ ألف حالة انتحار عام ٢٠١١ وفقا لتقارير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، والتى أصبحت فى زيادة مؤكدة، إلا أن هذا غير التقارير التى تعلنها منظمة الصحة العالمية والمكتب الإقليمى لشئون الشرق الأوسط عن حالات الانتحار التى تتزايد، وجعلت مصر فى مرتبة متقدمة لحالات الانتحار وصلت للمرتبة ٩٦ على مستوى العالم، وبالتالى فإن النسبة وترتيب مصر قد ارتفع الآن.وقد شملت ظاهرة الانتحار كل المحافظات المصرية من الشمال للجنوب لا فرق بين بحرى وقبلى وفى مدن القناة، ومع تزايد حالات الانتحار بين الشباب لا فرق بين ذكور وإناث بل شملت الأطفال أيضًا، بسبب عدم تحقيق الذات سواء بفرص عمل أو الرغبة فى الزواج أو التفكك الأسرى وغيرها، ويكفى أن نشير إلى أن الورقة التى كتبها قبل الموت أحد الشباب المنتحرين.. حرفيًا «أنا انتحرت علشان معرفتش أتجوز حبيبتى آية.. سامحينى يا ماما وادعو لى».ولعل ما شهدته بلادنا من حوادث مؤثرة خصوصًا فى الفترة الأخيرة حيث الانتحار على قضبان المترو وأمام عرباته ما يفزع الأبدان ويحرك المسئولين.وقد قرأت التصريحات المستفزة منذ أيام من أحد مسئولى المترو، حيث قال «المترو ليس منصة للانتحار» ولم يهتم هذا المسئول بأى جوانب إنسانية أو اجتماعية أو غيرها، وكأنه يبعد الاتهام عن المترو، ولعل قصص ما وراء الانتحار من مآس إنسانية تكشف الكثير من خطايا وأخطاء المجتمع الذى تحتاج إلى دراسات متأنية من أجل وضع الحلول العاجلة لهذه الظاهرة الخطيرة.ولعلنا سمعنا عن أشهر المنتحرين الخريج النابغة الذى نجح بتقديرات ممتازة عالية التفوق فى كل اختبارات امتحانات السلك الدبلوماسى فى الخارجية المصرية، وكان الأول على المتقدمين وتم رفض تعيينه بحجة أنه غير «مؤهل اجتماعيًا» مما دفع الشاب إلى إلقاء نفسه فى نهر النيل على بعد خطوات أمام وزارة الخارجية المصرية، والقصص كثيرة ومؤثرة وموجعة ويرمز إلى الشاب «محمد شتا» بأنه أشهر المنتحرين.وللأسف رغم الإحصاءات الرسمية والحوادث الواقعية وارتفاعها، غابت الإحصائيات الدقيقة لهذه الظاهرة ولا يوجد مرصد حقيقى رسمى لظاهرة الانتحار المؤسفة فى بلادنا.فهناك إحصائيات «مركز السموم» وأخرى لدى «هيئة الإسعاف» وثالثة فى أسباب الوفيات بـ«مراكز الصحة».. وغيرها التى يتم تسجيلها لوزارة الداخلية عبر أقسام الشرطة، والأمر فى النهاية لا توجد إحصاءات دقيقة رغم ارتفاعها فى الواقع.وبالرغم أن أسباب الانتحار فى بلادنا يرجعها العديد من الخبراء والمختصين إلى الكثير منها:- القيود الأسرية الصارمة.- الأوضاع المعيشية الصعبة منها.. انتشار البطالة بشكل كبير بين الشباب الذى يشكل ما يزيد على ٦٥ ٪ من تعداد الشعب المصري.- الزواح المبكر تحت العشرين بسبب افتقار الزوجين إلى التجربة الحياتية.- انخفاض الثقافة المجتمعية العامة.- ارتفاع معدلات الطلاق.- غياب الوازع الدينى بشكل عام، والذى يحرم قتل النفس ويكفى الإشارة لعدم الوصول المعرفى للشباب بأهمية الآية القرآنية «وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا» سورة النساء الآية «٢٩»، كم حرمت كل الأديان الانتحار باعتباره حراماً وتجاوزاً كبيراً وخطيراً للدين.وإذا كانت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية قد أدت إلى ارتفاع نسب الطلاق.. والانتحار.. وشكل الجريمة وتنوعها حيث ظهر ما يسمى الانتحار الجماعى للأسرة حيث يقوم الأب أو الأم بقتل أولادهما ثم الانتحار.وقد تعددت أشكال وأساليب الانتحار سواء بشنق النفس أو بالغرق فى النيل والبحار والترع، أو من يشربون مواد كيميائية أو يتعاطون سم الفئران، ووصل إلى سكب البنزين والحرق أو القفز من مكان مرتفع أو شراب الأدوية والعقاقير الطبية.المهم «تعددت الأسباب والانتحار واحد» بقتل النفس إحباطًا وكرهًا ويأسًا وضعفًا فى مواجهة ضغوط الحياة الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية.ونحن نتساءل:-- هل تنبه المسئولون لهذه الظاهرة المؤسفة المؤلمة للمجتمع؟- هل هناك رؤية أو تنسيق بين رجال الدين «مسلمين ومسحيين» لمواجهة هذه الظاهرة بالتعاليم الدينية؟- هل فعلا يتم تطبيق الدستور فيما يخص توفير فرص العمل والحماية الاجتماعية؟- هل يتم فعلا احترام الدستور فيما يخص الحقوق فى الصحة؟- هل هناك رصد لظاهرة الانتحار من أجل تحسين جودة البيانات لمواجهة الأمر؟- هل هناك تعاون بين وسائل الإعلام لمواجهة الأمر وليس فقط النشر عن الانتحار كأخبار وسبق إعلامى باعتبارها حوادث تجلب المشاهدين والقراء؟- هل هناك حشد للنظام الصحى وتدريب العاملين؟- هل هناك استراتيجية لتحسين الأوضاع الاجتماعية والإنسانية؟- هل هناك توفير حقيقى لفرص العمل؟- هل مظلة التكافل الاجتماعى مطبقة بشكل فعلى وحقيقى؟وبعد.. إن تلك الأمور تحتاج لإعادة نظر لأن الأمر برمته بحق خطير ويحتاج لسماع ناقوس الخطر لما يواجه القوة البشرية فى بلادنا من مخاطر، ولا بد من التحرك قبل فوات الأوان.
مشاركة :