ونحن نعيش أيام عاشوراء سيكون كلامنا عن حلم حفيد رسول الله (ص) الإمام الحسين بن علي عليه السلام، الذي اذا أردنا الحديث عنه بإسهاب سيطول بنا المقام والمقال من كثرة مواقف الحلم التي سجلها التاريخ للإمام عليه السلام، فالمتتبعون لحياته يقولون إنها كلها كانت مليئة بالحلم، فلم يقابل قط المسيء بإساءته، ولا المذنب بذنبه، وإنما كان (عليه السلام) يعتبر المسيء مسكيناً فيشفق عليه ويغدق عليه ببره ومعروفه. لقد اعتبر جده المصطفى (ص) وأباه الإمام علي عليه السلام أسوته في الحلم، فكان لا يختلف في أدبه وأخلاقه وحلمه قيد أنملة عن جده الرسول الأكرم الذي وَسع الناسَ جميعاً بأخلاقه وفضائله الكثيرة، وقد عُرف بهذه الظاهرة وشاعت عنه في أوساط العالم الإسلامي، فهو عليه السلام كاظم للغيظ عفواً، محسن لمن يسيء إليه، والأكثر من ذلك انه ينظر إلى أحوال المسيء إليه من الناحيتين، الاقتصادية والمعرفية، إن كان محتاجاً قضى حاجته وحفظ ماء وجهه عن سؤال الآخرين والاستجداء منهم، كان هدفه من وراء هذا العمل هو حفظ كرامة الإنسان وصون عزته وعدم تعريضه للمهانة النفسية والجسدية. لا أحد ينكر أن الإمام الحسين عليه السلام كان يجسد خلق جده رسول الله بكل حذافيره، ولم يسجل عليه في يوم مثلبة واحدة، فكله صلاح وخير ونبل وكرم وعزة وعلم وثقافة ودراية ومعرفة وإدراك ووعي بكل الجوانب الاجتماعية والعلمية والنفسية، فالإيمان المطلق بالله جلت عظمته وبرسوله المصطفى (ص)، أوجد فيه الاطمئنان الراسخ والثقة العالية بما قدره الله له، لم ينقل عنه أنه كان متشائماً أو قلقاً على نفسه أو متردداً في قول ولا فعل في يوم من الأيام وفي أحلك الظروف التي مرت عليه، دائماً يرونه مطمئناً بأن كل ما يفعله بعين الله تعالى. لم تكن أفعاله ناتجة عن ردود أفعال نفسية، فكل أفعاله وحركاته وسكناته يخضعها للضوابط الشرعية والأخلاقية، فلذا تجد حتى خصومه يشهدون بعلمه وحلمه وورعه وتقواه، فحري بنا أن نتأسى بأخلاقه وحلمه عليه السلام، ونجعله أسوة حسنة لنا في كل نواحي حياتنا العملية، لا ريب أننا نرتقي ونتطور في علاقاتنا الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، ولن يكون في أوساط مجتمعاتنا العربية والإسلامية أحقاد وكراهية وبغضاء وفتن ليس لها آخر. وما الأوسمة التي أعطاها جده رسول الله (ص) إلا لأنه جدير بها، فهو عليه السلام نبراس هدى وسفينة نجاة للإنسانية جمعاء، وليس لفئة أو طائفة أو مذهب معين، ففضاءات الإمام الحسين عليه السلام واسعة تستوعب العالم بأجمعه، بكل تلاوينه وأيدلوجياته وتياراته وشرائحه وتناقضاته الاجتماعية والإنسانية، لم يجعل بحلمه ورقي أخلاقه لأحد أن يدعي أن الحسين عليه السلام يعنيه دون غيره، فمن حق كل إنسان واعٍ في العالم الإنساني أن يفخر بحلم الإمام الحسين عليه السلام، ويجعله قدوة له في حياته. - سلمان عبدالله
مشاركة :